الحوار الوطني واستشراف المستقبل (1)
يمثل الحوار الوطني بين كافة الأطراف والقوى والتيارات السياسية والفكرية المختلفة حول أولويات العمل الوطني خطوة نحو بناء إطار عام للإصلاح السياسي والاقتصادي والمجتمعي، وتحقيقا لتماسك الدولة والحفاظ على أمنها واستقرارها.
ويعد الحوار الوطني بجلساته المختلفة وتناوله لموضوعات هامة وحيوية تمس الدولة على مختلف الأصعدة والمجالات، بمثابة خطوات نحو التفكير الاستراتيجي، بما سيكون عليه الحال في الغد، واتخاذ الاجراءات والخطوات اللازمة للوصول إلى تحقيق أعلى مراتب النجاح فيما يتفق عليه من أهداف، وما يرتبط به من مفاهيم عن المستقبل.
فدولة الـمستقبل هي الدولة التي يكون لديها الرؤية والمرونة والمبادرة والقدرة الإستباقية الناجحة والمستدامة على الاستشراف والاستكشاف المبكر للتحديات والأزمات المستقبلية وتحليلها ومعالجتها ووضع الخطط الإستباقية لها من واقع ما مرت به من تحديات وأزمات.
وأعتقد ان إجراء الحوار الوطني هي عملية استشراف للمستقبل، فهي لا تهدف إلى إصلاح الماضي، ولا تقليص أخطاء الحاضر، وإنما يركز بالأساس على الصورة المثلي للمستقبل وإمكانية تحقيقها من أجل غد أفضل وهو ما تتطلع إليه الدولة المصرية.
فمن خلال استعراض أنشطة الحكومة، ومسؤولي الخدمات الحكومية يتم استشراف مستقبل الحكومة والقطاع الحكومي والخدمات الحكومية والتوجهات المستقبلية وشكل الحكومة مستقبلا، وخاصة في القطاعات الأكثر أهمية كالتعليم والصحة..
فاستشراف مستقبل التعليم والمدارس والتحديات والتحولات المستقبلية والمهارات المطلوبة واقتران التعليم بالتدريب بكافة أنواعه وجميع مراحله وتحقيق التكامل بينها، والاشراف على تنفيذها، وهو ما تمثل في اقتراح إنشاء المجلس الوطني الأعلى للتعليم والتدريب بهدف ربط مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل المحلي والدولي والعمل على النهوض بالبحث العلمي.
وكذلك في قطاع الصحة، واستشراف مستقبل قطاع الصحة والرعاية الصحية وتوقعات الطلب المستقبلي، واستشراف مستقبل السكان والشباب، وأثرهما على الاقتصاد والموارد البشرية وسوق العمل والمهارات ووظائف المستقبل المطلوبة لكل قطاع ودمجها في مستقبل التعليم.
وخلال جلسات الحوار الوطني على المحور الاقتصادي من أجل استشراف مستقبل الاقتصاد والأمن الاقتصادي ودراسة التوقعات الاقتصادية، الموارد المالية الحالية وما يتعلق بأمن الطاقة والمعادن، والعلاقات الاقتصادية والتجارية، وتوقعات الموارد المالية المستقبلية ووضع السياسات المالية الاستباقية لها وسبل حلول لما قد تعانيه الدولة من أزمات اقتصادية، وأثارها على الاقتصاد، والأمن الغذائي ووضع الخطط المستقبلية له.
وهو ما ينعكس على سياسة الدولة وعلاقاتها الدولية والسياسية والأمن ووضع الخطط والتوجهات المستقبلية لها. ويعد ما يحدث من حوار وطني بمحاور مختلفة متنوعة للنهوض بالدولة، عملية تنمية سياسية، والتي يمكن تعريفها ضمن تعريفاتها المختلفة بأنها خلق نظام سياسي فعال قادر على التعجيل بعملية النمو الاقتصادي.
فالتنمية السياسية في هذه الحالة هي أحد مستلزمات التنمية الاقتصادية ولا يمكن أن تتحقق بدونها، على أساس أن الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة، وأن أي تطورات نحو الأفضل في النظام السياسي سوف تنعكس بدورها على النظام الاقتصادي..
كما تشمل عملية التنمية السياسية عملية بناء وتثبيت الدولة وإرساء دعائم النظام السياسي على أساس مشاركة المواطنين، حيث تعني التنمية السياسية تعبئة سياسية للجماهير لدفعها الى مزيد من المشاركة السياسية لأن المجتمعات الحديثة لا يمكن أن تقوم إلا إذا شارك أكبر عدد من الأفراد في صياغة الأسلوب السياسي الملائم، وفي عملية صنع القرار في المجتمع.
لأن خلق مواطن مشارك فاعل هو هدف رئيسي للتنمية السياسية، وكلما زاد عدد الأفراد المشاركة كلما تحول المجتمع الي مجتمع حديث ديمقراطي.
والديمقراطية في حد ذاتها، من ضمن ما تعنيه التنمية السياسية، فكلما استطاع النظام السياسي بناء المؤسسات الديمقراطية، وتدعيم الممارسة الديمقراطية كلما اتجه نحو خلق الاستقرار السياسي والاجتماعي والتخطيط لعمليات التغير الاجتماعي وضبطها في المسار الصحيح.
لذلك يساعد الحوار الوطني من خلال محاوره المختلفة السياسية والاقتصادية والمجتمعية في تحديد الأهداف العامة، وتحديد وتعبئة الموارد اللازمة لتحقيق هذه الأهداف. وكذلك نحو إرساء الأطر القانونية والإدارية التي يمكن البناء عليها لتنظيم المجتمع.