غزة تفجر بركان العقائد فى الشرق الأوسط، التحالف الدينى سر دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي لترامب، والمنطقة مسرح الأحداث
تشهد الساحة الدولية تحولات كبيرة فى التحالفات السياسية والعقائدية، وخاصة بين اليمين المتطرف فى العالم الغربى وإسرائيل، ويبدو أن العقيدة أصبحت المحرك الرئيسى خلف القرارات السياسية، لتتجاوز الحسابات الدبلوماسية والاقتصادية، كما أن التحالف الذى يتنامى بين الصهيونية اليهودية والمسيحية الإنجيلية يسلط الضوء على إيديولوجيات تؤمن بحتمية “حرب الفناء”، وتعتبر الشرق الأوسط وخاصة القدس وجبل الهيكل نقاط ارتكاز لهذا الصراع العقائدي.
فى العقود الأخيرة، شهدنا تقارب غير مسبوق بين الصهيونية اليهودية والمسيحية الإنجيلية فى الولايات المتحدة وأوروبا، هذا التحالف مبنى على رؤية دينية مشتركة ترتكز على فكرة نهاية الزمان، حيث يعتقد كلا التيارين أن إنشاء دولة إسرائيل الحديثة هو تمهيد لنهاية العالم وحتمية عودة السيد المسيح.
المسيحية الصهيونية، خاصة فى الولايات المتحدة، تدعم بلا تردد سياسات إسرائيلية متشددة تجاه الفلسطينيين والمسلمين عموما، باعتبارها جزءًا من خطة إلهية، ويعتقد هؤلاء أن بناء الهيكل الثالث فى القدس سيعجل فى تحقيق نبوءات الكتاب المقدس، وهذه العقائد تدفع المؤمنين بها إلى دعم السياسات التى تسعى إلى تهويد القدس وتكريس السيطرة اليهودية على الأماكن المقدسة، بغض النظر عن العواقب السياسية أو الإنسانية.
وبرز هذا التحالف بشكل كبير خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، حيث قام الأخير باتخاذ قرارات تاريخية خدمت المشروع الصهيوني، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالمدينة كعاصمة لإسرائيل، وكان هذا القرار غير مسبوق فى السياسة الأمريكية، وجاء بضغط من القاعدة الإنجيلية التى تشكل نسبة كبيرة من أنصار ترامب، وهذا التحالف العقائدى يوضح أن القرارات السياسية ليست مبنية على مصالح آنية فقط بل على قناعات دينية راسخة.
فى حين أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو استغل هذه العلاقات لخدمة مشروعه السياسي، نتنياهو الذى ينتمى إلى اليمين المتطرف فى إسرائيل، وجد فى ترامب والإنجيليين الأمريكيين حلفاء طبيعيين لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية وتحقيق أحلام اليمين الإسرائيلى ببناء الهيكل الثالث، هذا التوجه يتماشى مع التصورات الدينية لكلا الطرفين مما يعزز التحالف العقائدى بينهم.
الصراع فى الشرق الأوسط
كما أن رؤية التحالف الصهيونى المسيحى لحرب الفناء وتأثيرها فى الشرق الأوسط يشجع على تصعيد التوترات، وهذا التصعيد يغذى بطبيعة الحال التطرف فى الجانب الإسلامي، حيث تنظر الجماعات المتطرفة إلى هذه التطورات باعتبارها مؤامرة صليبية يهودية على العالم الإسلامي، خاصة مع التركيز على السيطرة على الأماكن المقدسة.
ويعتبر القدس وجبل الهيكل موضعين حساسين فى العقيدة الإسلامية، مما يجعل أى محاولة للمساس بهما شرارة لصراع طويل الأمد، خاصة أن التطرف الإسلامى يتغذى على التصعيد الإسرائيلى فى القدس، ويستغل هذه التطورات لحشد الدعم بين الشعوب المسلمة التى تعتبر نفسها مدافعة عن المقدسات الإسلامية فى وجه العدوان الإسرائيلي.
ويمكن القول إن حرب ما بعد السابع من أكتوبر على غزة، وما شهدته من تصعيد غير مسبوق بين إسرائيل وحركة حماس، كانت تجسيدًا لهذا الصراع العقائدي، الطرفان، الإسرائيليون من جهة وحماس من جهة أخرى، يعتبرون أنفسهم فى معركة مقدسة ذات طابع دينى مما يجعل الحلول السياسية والدبلوماسية شبه مستحيلة.
منطقة الشرق الأوسط، وخاصة فلسطين والقدس، كانت دائما فى قلب الصراعات الدينية والسياسية، ولكن التحولات العقائدية التى يشهدها العالم اليوم تجعلها ساحة أكثر خطورة، وارتباط اليمين المتطرف الغربى والإسرائيلى بالأماكن المقدسة اليهودية، وخاصة جبل الهيكل، يجعل المنطقة هدفا رئيسيا لحرب عقائدية قد تستمر لعقود.
كما أن الحركات اليمينية فى أوروبا وأمريكا تدعم هذه الرؤية، وتعتبر أن الشرق الأوسط هو المسرح الرئيسى للصراع النهائى بين الخير والشر، هذه العقيدة تعزز سياسات الحرب وتعطى الأولوية للصدام على الحلول السلمية، مما يجعل المنطقة فى حالة دائمة من عدم الاستقرار.
بالفعل، العديد من الدول العربية والإسلامية ترى فى هذا التحالف تهديدا وجوديا، مما يعزز التطرف والتمسك بالهوية الدينية كوسيلة للدفاع عن النفس. وبالتالى يصبح الشرق الأوسط ساحة لصراع لا ينتهي، حيث تتداخل العقائد الدينية مع المصالح السياسية، لتخلق وضعا معقدا يستحيل حله بوسائل تقليدية.
سيناريوهات المستقبل
إذا تمكنت التيارات اليمينية المتطرفة من السيطرة على الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، فإن العالم قد يشهد تحولات دراماتيكية، ففى حال فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية جديدة، ستكون سياساته مبنية بشكل أكبر على التحالفات العقائدية مع الصهيونية اليهودية، مما سيزيد من التوترات فى الشرق الأوسط.
ترامب، الذى يعتمد بشكل كبير على دعم الإنجيليين المسيحيين، قد يقدم المزيد من التنازلات لإسرائيل فيما يتعلق بالأراضى الفلسطينية والقدس، مما سيؤدى إلى تصعيد جديد فى المنطقة. هذا الدعم غير المشروط لإسرائيل سيعزز من سياسات الاستيطان والتهويد، مما يدفع الفلسطينيين والجماعات الإسلامية المتطرفة إلى الرد بوسائل عنيفة.
وفى أوروبا صعود اليمين المتطرف قد يؤدى إلى تغييرات فى السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط، خاصة أن اليمين المتطرف الأوروبى يتبنى أيضا خطابا معاديا للمهاجرين والمسلمين، مما يزيد من التوترات الداخلية والخارجية، هذه السياسات قد تدفع الدول الإسلامية إلى الانعزال والتمسك بمواقف أكثر تشددا مما يجعل الشرق الأوسط بؤرة صراع دائم بين الحضارات.
الأحداث الأخيرة أظهرت أن العقيدة، وليس السياسة، أصبحت العامل الرئيسى فى صنع القرار فى العديد من الدول، هذه الظاهرة تجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل الصراعات الدولية، حيث أن العقائد الدينية لا تخضع للمنطق السياسى التقليدي.
وفى ظل هذه الظروف، يصبح الصراع فى الشرق الأوسط جزءا من حرب عالمية دينية.
وتعليقا على ذلك أكد المحلل السياسى والمفكر الجزائرى الدكتور إسماعيل خلف الله، أن الكثير من النزاعات السياسية التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط أساسها اليمين المتطرف الذى يحيد بكافة الأزمات إلى محور الدين.
وأوضح فى تصريحات لـ«فيتو» أن تيار اليمين المتطرف وسياسته المتطرفة والعدائية ظهرت بوضوح ضد كل ما هو إسلامى وما يمت للعرب والجاليات العربية فى الغرب بشكل واضح وصريح، مشيرا إلى أن هذا التيار يستدعى العداء ضد هذه الكتلة الهامة وتوظيفها لتحقيق مكاسب سياسية، مع استثمار كل ما يدور حول الإسلاموفوبيا والعداء ضد العرب فى البرامج الانتخابية والألاعيب السياسة