شباب حول الرسول، معاذ ومعوذ "شقيقان أحبهما النبي"
منذ فجر الإسلام، أحاط بـ رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، نخبةٌ من المسلمين الأوائل، في الوقت الذي آمن فيه فتيةٌ صغارُ السن بالله؛ حبًّا في النبي، وجهروا بالإسلام في شجاعة نادرة، رغم ما كان يكتنفُ البيئة المحيطة من تقديسٍ للأصنام، والأوثان، وإدمانٍ للأدران، وصمدوا بقوةٍ أمام ضغوطِ الآباءِ والأمهاتِ وعتاةِ المشركين.
تربَّوا في مدرسةِ الرسولِ، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وحرصوا على مراقبة تصرفاته، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحابَ فكرٍ سديدٍ، فأعلنوا اتباعهم للنبي، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.
إنهم "شبابٌ حولَ الرسول".
نتحدث اليوم عن صبيين شقيقين، لم يبلغا الحلم، آمنا بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، ونجحا في إقناع أبيهما وأمهما، بالذكاء الفطري، باعتناق الإسلام، وترك الوثنية، وقتلا عدو الله، أبا جهل في موقعة بدر، فاستحقا حب النبي، صلى الله عليه وآله وسلم.
معاذ ومعوذ ابنا عمرو بن الجموح، أعلنا إسلامهما قبل أن يبلغا الحلم بعد أن سمعا القرآن من مصعب بن عمير، رضي الله عنه، حيث تيقنا بأنه الحق من عند الله، فأسرعا مرددين شهادة الإسلام، وكانا من ضمن أول سبعة أسلما في المدينة المنورة، قبل أن يشرفها سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، وحضرا بيعة العقبة الأولى.
ورغم صغر سنهما كونا مع معاذ بن جبل فريقًا للدعوة إلى الإسلام، وإخراج أقرانهم وأحبائهم من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان.
إقناع الأم والأب بالإسلام
استطاع الشقيقان معاذ ومعوذ، واشتهرا بـ"ابني عفراء"، أن يقنعا أمهما بالإسلام، وكررا الدعوة إلى دين الله مع أبيهما، ولكن كان الأمر شاقًا عليهما، حيث كان أبوهما شديد التعلق بصنم يعبده، وكان لا بد من حيلة لهداية أبيهما، فتسللا ليلًا إلى مكان الصنم ومعهما معاذ بن جبل، فأخذوا الصنم، وألقوه في حفرة قاذورات، وفي الصباح أخذ الوالد يبحث عن صنمه فلم يجده، وظل يبحث عنه حتى عثر عليه فحمله وأزال ما عليه من أوساخ، وتوعَّد من فعل ذلك بالويل الشديد.
وكرر الصبية الصغار هذا الأمر عدة مرات، وفي مرة علق الرجل سيفا في رقبة الصنم، وقال له: إن كان فيك خيرٌ فهذا السيف لتدفع به السوء عن نفسك، فأخذه الصبية وربطوه بحبل مع جيفة كلب، وأخذوا السيف منه، وألقوه في حفرة القاذورات.
وكالعادة أصبح الرجل فلم يجد الصنم، فذهب إلى "المزبلة" ليأخذه، فلما وجده قد سُلب منه السيف وربُط مع الكلب الميت في حبل واحد أحس بخطأ ما كان يعتقد.
وقال: والله لو كنت إلها لم تكن أنت والكلب وسط بئر في قرنٍ، وما لبث أن راجع نفسه ودخل في الإسلام.
وفي يوم بدر كان عمرو بن الجموح وولداه معاذ ومعوذ في مقدمة صفوف المجاهدين، وكان ابن الجموح أعرج، فلما كلمه ابناه في أن يبقى، ولا يخرج للقتال ذهب إلى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وقال له: يا رسول الله أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال النبي لهما: "لا تمنعاه لعلَّ الله أن يكرمه بالشهادة"، وأذن لهما بالمشاركة معه رغم صغر سنهما.
شعر معاذ ومعوذ بسعادة غامرة عندما أذن لهما رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، أن يذهبا معه في غزوة بدر، وخلال المعركة كانا يقفزان هنا وهناك، يبحثان عن أبي جهل يريدان قتله لأنه كان يسب النبي.
قتل عدو الله
هما لم يريا أبا جهل على الإطلاق، ولكنهما سمعا عن إيذائه للرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، ممن أقام بالمدينة المنورة من المهاجرين.
اقترب معاذ من عبد الرحمن بن عوف، وهو يحرص ألا يراه أخوه معوذ، وهمس في أذنه قائلًا: يا عمَّاه، هل تعرف أبا جهل؟ قال ابن عوف: نعم أعرفه، وماذا تريد منه يا ابن أخي؟ قال: سمعت أن أبا جهل يسب رسول الله، وقد أقسمتُ إن رأيته أن أقتله، أو يقتلني.
وبعد قليل جاء معوذ، وهو يحاول ألا يراه أخوه معاذ، واقترب من ابن عوف، وسأله: يا عمي، أين عدو الله أبو جهل؟ لقد عاهدت الله على قتله لأنه يسبُّ رسول الله.
ثم رأى ابن عوف أبا جهل على فرسه رافعًا رأسه يشجع المشركين، وهو يصرخ: أعلُ هبل، فصاح ابن عوف: يا معاذ، يا معوذ، ها هو أبو جهل عدو الله وعدو رسوله وعدوكما، وما إن سمع معاذ ومعوذ مقالة ابن عوف حتى هجما على أبي جهل، وببسالة وشجاعة أنزلاه عن فرسه، وأوقعاه أرضا، وجلسا على صدره وقتلاه.
وعن معاذ بن عمرو، قال: جعلت أبا جهل يوم بدر من شأني، فلما أمكنني، حملت عليه فضربته، فقطعت قدمه بنصف ساقه، وضربني ابنه عكرمة بن أبي جهل على عاتقي، فطرح يدي وبقيت معلقة بجلدة بجنبي، وأجهضني عنها القتال، فقاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني، وضعت قدمي عليها ثم تمطأت عليها حتى طرحتها.
قال: ومر بأبي جهل معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته، وتركه وبه رمقٌ، ثم قاتل معوذ حتى استشهد، واستشهد أخوه عوف قبله.
ثم مر عبد الله بن مسعود بأبي جهل، فوبخه وبه رمق، ثم احتز رأسه.
ركض معاذ ومعوذ إلى رسول الله، وكل منهما يصيح: لقد قتلت أبا جهل، أضاء وجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرحا بهذين البطلين، وفرحا بمقتل عدو الله أبي جهل الذي روّع المسلمين وعذبهم كثيرًا، ثم سألهما: أيكما قتله؟
استشهاد معوذ وشقيقه عوف
قال معاذ: أنا يا رسول الله، وقال معوذ: بل أنا يا رسول الله، نظر رسول الله إلى سيفيهما، فرآهما يقطران دما، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال لهما: كلاكما قتله.. وبعد المعركة أعطى الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، سلبه لمعاذ.
ثم قاتل الفتيان الشقيقان حتى استشهد معوذ بن عفراء، يومئذ ببدر شهيدا، قتله مشرك يدعى أبو مسافع. ونال معوذ، رضى الله عنه، الشهادة في سبيل الله.
بعد ذلك شهد معاذ مع النبي، صلى الله عليه وسلم، جميع الغزوات ولم يتخلف عن غزوة منها، وكان من أشجع الشبان وأقواهم دفاعا عن رسول الله، عليه الصلاة والسلام.
وتميز معاذ بحبه الشديد لرسول الله، عليه الصلاة والسلام، شأنه شأن صحابة النبي المختار.
موقف معاذ مع عمر بن الخطاب
ومن مواقف معاذ بن عفراء مع الصحابة؛ كان عمر بن الخطاب يأمر بحلل تُنسج لأهل بدر لكي يتنوق فيه أي يلبسه، فبعث إلى معاذ بن عفراء، فقال معاذ لخادم عنده اسمه أفلح: خذ بع هذه الحلة، فباعها له بألف وخمسمائة درهم.. ثم قال: اذهب فابتع بها رقابا (أي عبيدا).
فاشتري بها خمس رقاب فأعتقهم معاذ في الحال. فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بأن معاذ بن عفراء لا يلبس ما يبعث به إليه.
فاتخذ له حلة غليظة غيرها. فلما آتاه بها رسول عمر قال: ما أراه بعثك بها إليّ. قال: بلي. فأخذ معاذ الحلة فأتي بها عمر، فقال: يا أمير المؤمنين بعثت إليّ بهذه الحلة؟ قال: نعم. إن كنا لنبعث إليك بالحلة مما نتخذ لك ولإخوانك. فبلغني أنك لا تلبسه، فقال: يا أمير المؤمنين إني وإن كنت لا ألبسها فإني أحب أن أعمل بها عملًا صالحًا لوجه الله. ثم أعاد إليه حلته.
روى معاذ بن عفراء الكثير من الأحاديث النبوية عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ومن أشهر الأحاديث التي رواها انه قد سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: لا صلاة بعد العصر حتي تغيب الشمس ولا بعد الصبح حتى تطلع الشمس.
رحم الله معاذ ورضي عنه؛ فقد كان من الصحابة الذين قال فيهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، وكثير من الصحابة، ثم نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح".
توفي معاذ، رضي الله عنه، سنة 35 هجرية رضي الله عنه.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.