رئيس التحرير
عصام كامل

دعم السلع والوقود.. خطة الدول لشراء السلم الاجتماعي.. برامج الأقل دخلًا سلاح بريطانيا وأمريكا لمساندة الفقراء.. وفرنسا تتدخل وقت الأزمات

الوقود
الوقود

على امتداد تاريخ مصر القديم والحديث لعب ملف الدعم دورا فى الاستقرار السياسى وفى حدوث الأزمات.. والثورات، بداية من دعم رغيف الخبز وليس انتهاء بالسلع الغذائية المختلفة وصولا إلى دعم الخدمات مثل الكهرباء والوقود والبنزين والسولار والبوتاجاز وغيرهم.

ولم يكن الرؤساء والحكومات المتعاقبة فى تاريخ بلادنا الحديث تقترب من ملف الدعم والأسعار إلا فى حدود ضيقة جدا وبحذر شديد وإلا اندلع غضب المصريين كما حدث فى انتفاضة الخبز فى عهد السادات، ورغم أن أحد شعارات ثورة 25 يناير 2011 كان «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» إلا أن حكومة الدكتور مصطفى مدبولى فعلت ما لم تفعله حكومة سابقة فقد تضاعفت أسعار السلع والخدمات بصورة جنونية وغير مسبوقة وبعدة مرات، كما يتم رفع الدعم تدريجيا عن كل السلع والخدمات والمواد البترولية والبوتجاز والغاز والكهرباء، كما أعلنت الحكومة رغبتها فى تحويل الدعم العينى مثل السلع التموينية وخلافها إلى دعم نقدي. ويرى خبراء أن سعى الحكومة لهذا الأمر لا علاقة له بالسبب المعلن وهو وصول الدعم لمستحقيه ومحاولة ترشيد فاتورة الدعم فى الموازنة ولكن الحكومة تفعل ذلك تنفيذا الشروط صندوق النقد الدولي.

«فيتو» فى هذا الملف تفتح ملف الدعم عبر العصور المختلفة والممارسات الحالية بشأنه من خلال استطلاع آراء وزراء سابقين وخبراء اقتصاد وسياسيين فإلى التفاصيل:

تنفق غالبية الدول العربية والغربية على اختلاف نظمها السياسية عشرات المليارات من الدولارات لدعم السلع الاستهلاكية والخدمات الأساسية كالخبز والسكر والأرز والأدوية وخدمات الصحة والمياه والكهرباء والبنزين والديزل.

ويتم هذا الدعم من خلال بيعها للمستهلك النهائى بسعر أقل من سعر السوق على أن تتحمل ميزانية الدولة الفرق بين السعرين، حيث يلتهم الدعم المذكور مبالغ ضخمة من الموازنات والناتج الوطني، فعلى سبيل المثال يخصص ربع الميزانية فى مصر والكويت و10 بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى السعودى لذلك الدعم.

ويهدف الدعم الحكومى إلى التصدى لأى خلل يحدث فى القطاع الإنتاجي، فحين ترتفع أسعار المواد الأولية لقطاعٍ إنتاجى حيوى تتدخل الدولة لتثبيت الأسعار وإبقائها فى متناول المستهلك والمنتج على حد سواء،  والهدف من الدعم الحكومى هو تمكين الفئات الأقل دخلا من الحصول على السلع والخدمات الأساسية عبر خفض أسعارها وفقَ آلية تقوم على تسديد خزينة الدولة للفارق بين السعر الحقيقى للمنتج أو الخدمة والسعر الذى يُحدد له باعتبار مستويات الدخل الدنيا، ويُسمى هذا النوع من الدعم بالدعم المباشر.

وأحيانا يكون دافع الدعم الحكومى سياسيا، ففى حال وقوع أزمة سياسية تلجأ بعض الأنظمة غير الديمقراطية إلى خفض أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية لإشاعةِ جو من الطمأنينة وتصريف حالة الاحتقان القائمة، وهو ما يعتبره بعض الاقتصاديين “شراءً للسلم الاجتماعي”.

تخفيضات على الوقود فى فرنسا

فى فرنسا، يُعتبر الدعم الحكومى للسلع والخدمات جزءًا أساسيًا من النظام الاجتماعى والاقتصادى الذى يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان رفاهية المواطنين، ويتنوع الدعم الحكومى للسلع والمحروقات ويشمل سياسات وبرامج متعددة تهدف إلى تخفيف الأعباء الاقتصادية على المواطنين، خاصة فى أوقات الأزمات.

وبالنسبة للبنزين والديزل، فأسعار الوقود فى فرنسا تُحدد بناءً على السوق العالمي، ولكن الحكومة تقدم دعمًا جزئيًا فى أوقات الأزمات، على سبيل المثال، فى عام 2022، قدمت الحكومة الفرنسية دعمًا للوقود فى شكل تخفيضات على أسعار البنزين والديزل بمقدار 0.30 يورو لكل لتر خلال فترة معينة، وهو ما يعادل حوالى 0.32 دولار لكل لتر.

وفى عام 2023، تم تخصيص حوالى 500 مليون يورو كدعم مباشر للأسر ذات الدخل المنخفض لمساعدتها فى تغطية تكاليف الطاقة. تشمل هذه المساعدات أحيانًا قسائم وقود أو دعمًا ماليًا مباشرًا، بالإضافة إلى الحد الأدنى للأجور.

وفيما يخص الطاقة، تقدم الحكومة الفرنسية دعمًا كبيرًا للكهرباء والغاز الطبيعي، مما يساعد فى تخفيض الفواتير الشهرية للأسر،  كما تم تقديم مساعدات إضافية للتخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة، خاصة خلال فترات الشتاء الباردة أو الأزمات العالمية التى تؤدى إلى تقلبات حادة فى أسعار الوقود، ودعمت الحكومة الفرنسية الوقود والطاقة فى 2023 بمبلغ قيمته 10 مليارات يورو.

بالإضافة إلى ذلك، تقدم الحكومة دعمًا كبيرًا لقطاع النقل العام، حيث يتم تمويل جزء كبير من تكلفة تشغيل القطارات والحافلات من خلال الإعانات الحكومية، مما يجعل التنقل اليومى بأسعار معقولة للمواطنين.

دعم السلع والمحروقات فى بريطانيا

الدعم الحكومى للمحروقات والسلع فى بريطانيا يختلف بشكل كبير عن مثيله فى دول مثل السعودية أو فرنسا، تعتمد بريطانيا على سياسات دعم محددة تستهدف الفئات الأكثر ضعفًا وتأتى فى سياق السياسات الاقتصادية والاجتماعية الأوسع. وفيما يلى أبرز ملامح هذا الدعم:

بالنسبة لدعم المحروقات فى بريطانيا، لا يتم تقديم دعم مباشر لأسعار الوقود كما هو الحال فى بعض الدول الأخرى، على العكس، يتم فرض ضرائب كبيرة على الوقود، مثل ضريبة الوقود وضريبة القيمة المضافة، ومع ذلك، يتم توجيه إيرادات هذه الضرائب نحو برامج اجتماعية وخدمات عامة.

وبدلًا من دعم الوقود، توفر الحكومة برامج مساعدة مالية للأسر ذات الدخل المنخفض لمساعدتها على دفع فواتير الطاقة، خاصة خلال فصول الشتاء، ويصل الدعم الحكومى للأسر 400 جنيه إسترلينى لكل أسرة.

أما السلع، فإن  الحكومة لا تدعمها بشكل مباشر، ولكنها تقدم برامج دعم مثل “قسائم الطعام” للأسر ذات الدخل المحدود والأفراد الذين يعتمدون على المساعدات الاجتماعية. هذه القسائم تمكنهم من شراء السلع الغذائية الضرورية.

وتلعب البنوك الغذائية دورًا هامًا فى دعم الأفراد والأسر الذين يواجهون صعوبة فى تأمين احتياجاتهم الغذائية. هذه المؤسسات مدعومة جزئيًا من الحكومة ومن خلال التبرعات، حيث تقدم البنوك الغذائية حوالى 2.6 مليون وجبة فى المملكة المتحدة سنويا.

التجربة الأمريكية

فى الولايات المتحدة الأمريكية، يعتمد الدعم الحكومى للسلع والمحروقات على مجموعة متنوعة من السياسات والبرامج، والتى يمكن أن تختلف بناءً على الظروف الاقتصادية والتشريعات الحالية.

فبالنسبة للمحروقات، لا تقدم الحكومة دعمًا مباشرًا لأسعار الوقود، بدلًا من ذلك، يتم فرض ضرائب على الوقود، مثل ضريبة البنزين والديزل التى تُستخدم لتمويل مشاريع البنية التحتية مثل الطرق والجسور، بينما لا يوجد دعم مباشر لأسعار الوقود، هناك برامج مساعدة بقيمة (4.3 مليارات دولار) موجهة لمساعدة الأسر ذات الدخل المنخفض فى دفع فواتير الطاقة، مثل  برنامج LIHEAP (برنامج المساعدة فى فواتير الطاقة منخفضة الدخل)، الذى يساعد الأسر المؤهلة فى دفع فواتير الطاقة الأساسية مثل التدفئة والتبريد.

السعودية.. دعم الوقود والسلع

فى المملكة العربية السعودية، يتميز الدعم الحكومى للوقود والسلع بأنه جزء من السياسات الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى توفير مستوى معيشة مناسب للمواطنين، خاصة فى ضوء التحولات الاقتصادية المستمرة، ويصل الدعم الحكومى للوقود والكهرباء إلى  110 مليارات ريال سعودى حسب وزارة المالية السعودية، ويشمل الدعم أسعار الوقود المدعومة بشكل كبير، حيث تتحمل الحكومة جزءًا كبيرًا من تكلفة الوقود لتوفيره بأسعار منخفضة للمستهلكين.

كما تدعم الحكومة السعودية العديد من السلع والمنتجات الغذائية الأساسية  مثل الدقيق والأرز والسكر والزيوت ( من 10 إلى 15 مليار ريال سعودي)، حيث يساعد هذا الدعم على الحفاظ على أسعار هذه السلع فى متناول الجميع، بالإضافة إلى أن هناك برامج للضمان الاجتماعى تستهدف الفئات الأكثر احتياجًا، مثل برنامج الضمان الاجتماعى وحساب المواطن، الذى يقدم مساعدات مالية شهرية للأسر ذات الدخل المحدود لمواجهة تكاليف المعيشة المتزايدة.

وبشكل عام، يظل الدعم الحكومى فى السعودية جزءًا مهمًا من السياسة الاقتصادية، لكنه يشهد تحولات مهمة لتتماشى مع أهداف التنمية المستدامة وخطط التنويع الاقتصادى فى المملكة.

الصين.. سياسات لتحسين مستوى المعيشة

فى الصين، يشمل الدعم الحكومى للسلع والمحروقات عدة سياسات وبرامج تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

فتخضع أسعار الوقود فى الصين للسعر العالمي، لكن عادةً ما تتحكم الحكومة الصينية فى أسعار الوقود عبر تعديل الرسوم والضرائب، مما يسمح لها بتحديد أسعار الوقود بشكل يساهم فى تحقيق الاستقرار الاقتصادي. فى الأوقات التى ترتفع فيها أسعار النفط العالمية، قد تقوم الحكومة بخفض الضرائب أو تقديم دعم مباشر لتخفيف تأثير ارتفاع الأسعار على المواطنين.

كما تقدم الحكومة الصينية دعمًا للسلع الغذائية الأساسية مثل الأرز والقمح والزيت من خلال برامج الدعم المباشر للأسواق.

الجريدة الرسمية