وائل النحاس: الدعم حق أصيل للفقراء وليس هبة أو منحة.. والحكومة مطالبة بإصلاحات جريئة لإيصاله إليهم (حوار)
>> ذاهبون إلى تطبيق الدعم النقدى لكنه سيظل خطرا مالم يتم تجهيز السوق المصرى له
>> أطالب بوضع ضوابط تنظيمية قبل التوجه لتطبيق الدعم النقدى
>> تخفيض الدعم العينى بدون تفعيل منظومة "النقدى" خطر على المجتمع
>> تقديم الدعم لجميع المستهلكين يستفيد منه الغنى أكثر من الفقير
>> عدم وجود آلية قوية لتنظيم وصول الدعم لمستحقيه يفرز مجموعات مافيا تجارية
>> الاقتصاد المصرى يحتاج إصلاحات جريئة تشمل تغيير السياسات
تمر السنوات، وتتزايد أعداد السكّان، ومعه يُطرح ملف الدعم الذى يظل شائكًا، فالحكومات تريد التخفف من تلك الأعباء أو على الأقل تحويله إلى نقدى لضمان وصوله إلى مستحقيه، فيما يرفض المواطنون أى مساس بحائط الصد الأخير.
وتؤكد موازنة العام المالى الجارى، الذى بدأ فى الأول من يوليو، أن الحكومة تعتزم الاستمرار فى التحول التدريجى إلى الدعم النقدى وشبه النقدى الذى يستهدف الفئات الأولى بالرعاية والمناطق الأكثر احتياجا”. فى هذا السياق، حاورت “فيتو” الخبير الاقتصادى والمستشار في أسواق المال وائل النحاس، لإلقاء الضوء على تلك القضية ومحاولة فهم الاتجاهات الاقتصادية وكيف يسير العالم حولنا، وإلى نص الحوار:
*بداية، هل يمكن أن توضح لنا ما المقصود بالاتجاهات الاقتصادية للدعم؟
يمكن القول إن الاتجاهات الاقتصادية للدعم تنطلق من أن الدعم حق أصيل للفقراء وليس هبة أو منحة لهم، لکن من سلبياته استفادة الطبقات الغنية بشكل أکبر من الطبقات المستهدفة من الدعم وذلك مثل دعم المحروقات ووسائل النقل.
يجب أن يکون الدعم موجها وفقا لإحصاءات دقيقة توضح الفقراء المستهدفين من الدعم، ويکون الدعم عينيا أو نقديا، وإن کان الدعم النقدى أکثر دقة لمنع تسريبه لغير المستحقين، ويجب توافر فرص عمل حقيقية لمستحقى الدعم، حيث توجد علاقة عکسية بين الدخول والدعم، فکلما زادت الدخول انخفض الدعم بمقدار زيادة الدخل أو التوظيف والعکس صحيح.
إن نفقات الدعم تأتى عبر الدعم الرسمى من الدولة فى الأساس، ويوجد أيضا الدعم غير الرسمى الذى يصدر من الأهالى لمساعدة الدولة فى إنفاقها على الدعم للفقراء، إلا أن الدعم الأخير لا يظهر فى الموازنة العامة للدولة.
*كيف يمكن للحكومة أن توجه الدعم لمستحقيه فى ظل استفادة الطبقات الغنية بشکل أکبر من الطبقات المستهدفة من الدعم؟
يجب أن تعمل الحكومة على رقمنة وتنظيم الآليات التى تعمل بها لوصول الدعم لمستحقيه، حيث إن الدعم الممنوح للشعوب العربية ميزة تنافسية لها مقارنة بالأسواق العالمية، فمنذ أكثر من أربعة عقود تنفق غالبية الدول العربية على اختلاف نظمها السياسية عشرات المليارات من الدولارات لدعم السلع الاستهلاكية والخدمات الأساسية كالخبز والسكر والأرز والأدوية وخدمات الصحة والمياه والكهرباء والبنزين والديزل ويتم هذا الدعم من خلال بيعها للمستهلك النهائى بسعر أقل من سعر السوق على أن تتحمل ميزانية الدولة الفرق بين السعرين.
*هل الدعم النقدى أکثر دقة لمنع تسريبه لغير المستحقين؟
مما لا شك فيه أننا ذاهبون إلى تطبيق الدعم النقدى ولكن سيظل مقيدا فى سلع بعينها حيث إنه من الخطير التوجه إلى تطبيق الدعم النقدى دون تجهيز السوق المصرى لمثل هذا الأمر، فمن الأمور الخطيرة التى قد نراها حال التحول إلى الدعم النقدى، أن نرى بعض الأفراد يلجأون إلى صرف هذا الدعم على الكيف والتدخين وما شابه ذلك، وأطالب بوضع ضوابط تنظيمية قبل التوجه لتطبيق الدعم النقدى، كما أن تخفيض الدعم العينى بدون تفعيل منظومة الدعم النقدى يمثل خطورة على المجتمع حيث إن زيادة الأموال الساخنة دون أن يقابلها فائض أكبر لحصيلة الدولة الدولارية يمثل خطورة أيضًا.
*هل تقليص الدعم يحد من عجز الموازنة؟
تقليص الدعم الحكومى للأفراد لم ينتج عنه إلا تراجعا للميزة التنافسية، ولم تشهد الموازنة تراجعا كبيرا فى العجز بسبب تقليص الدعم الحكومى، حيث اتخذت مصر والأردن والمغرب واليمن والأردن ودول أخرى مؤخرا خطوات إصلاحية تهدف إلى ترشيد الإنفاق عن طريق تقليص الدعم الحكومى لبعض السلع كالبنزين والديزل والكهرباء وجاءت هذه الخطوات بالدرجة الأولى استجابة للضغوط المتزايدة على ميزانياتها ولشروط صندوق النقد الدولي.
إلا أنها وعلى أهميتها لم تحد كثيرا من عجز الموازنات الحكومية التى تسببها وبشكل كبير أموال الدعم المخصصة لدعم أسعار السلع الاستهلاكية، وإذا كانت دول الخليج تسد هذا العجز من عائدات النفط، فإن الدول الأخرى تقوم بتمويله عن طريق الاقتراض أو زيادة الضرائب والرسوم التى تصيب أيضا قطاعات إنتاجية ذات جدوى اقتصادية بالضرر، لاسيما عندما يؤثر رفع الضريبة على قدرتها التنافسية.
*يوجد العديد من المشروعات والبرامج التى تهتم بالأبعاد الاجتماعية مثل تکافل وکرامة، ومشروع حياة کريمة، ما رأيك فى فاعليتها؟
بالتأكيد تلعب تلك المشروعات دورا لمساعدة الطبقات الأكثر احتياجا ولكن ليس كما هو متوقع فمعظم تلك المبادرات كانت موجودة سابقا ولكن تم استحداث مسمياتها ومن المهم وجودها وتفعيل دورها بشكل أقوى.
ولكن، يجب القول إن تقديم الدعم لجميع المستهلكين كما يحصل فى الوقت الحاضر ليس عادلا كونه يستفيد منه الغنى أكثر من الفقير كما لا ننسى أن عدم تفعيل آلية قوية لتنظيم وصول الدعم إلى مستحقيه يساعد على ظهور مجموعات مافيا تجارية تقوم بتهريب السلع المدعومة إلى البلدان المجاورة، كما تقوم بتخزينها واحتكارها لبيعها لاحقا بأسعار عالية عندما يقل عرضها.
*هل مشكلة الدعم الحكومى للسلع الاستهلاكية تكمن فقط فى الضغوط المالية أم هناك أسباب أخرى؟
بلا شك يشكل الدعم ضغوطا مالية على نفقات الدولة ولكن عندما يتم تقليل الدعم أو إلغائه، هل سيتم توجيه تلك المليارات الى مشروعات جديدة أم إلى سد عجز الموازنة؟ وأستطيع أن أجزم أنها ستذهب لمحاولة سد العجز فى الموازنة.
وأؤكد أن الإفراط فى الإنفاق بطبيعة الحال يعد مصدر قلق شائع بشكل متزايد يصيب الأفراد عبر مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية، ورغم أن الأمر قد يبدو ظاهريا مجرد فشل فى إدارة الشؤون المالية بالشكل الكافي، فإن جذور الإفراط فى الإنفاق تتشابك بشدة مع كل من سوء التقدير الاقتصادى والتأثيرات النفسية.
*هل يؤثر الدعم على المنتجين فى قطاعات مثل الزراعة والصناعة التى لا يمكنها المنافسة أمام السلع المستوردة؟
نعم قد يحدث هذا، حيث إن هناك تطورات جديدة وتبعات سلبية تتمثل فى تراجع الإنتاج والاستثمارات وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وعلى ضوء ذلك يفترض قيام الحكومة بإصلاحات عميقة وجريئة تشمل تغيير سياسات الدعم الحكومي؛ بحيث يصل الدعم للفقراء والمحتاجين، ومما يتطلبه ذلك رفع الدعم المباشر لأسعار السلع الاستهلاكية والتعويض عنه بشبكة ضمان اجتماعى محصورة بالفئات الفقيرة التى ينبغى أن تحصل على الحد الأدنى من متطلبات معيشتها اليومية.
أما الفئات الغنية فينبغى تكليفها بدفع الضرائب حسب مستوى الدخل والقطاع الذى تنشط فيه وهنا لا بد من التأكيد على أهمية دعم السلع الإنتاجية والخدمات الأساسية من أغذية وأدوية وألبسة ومواد تعليمية بشكل غير مباشر عن طريق القروض الميسرة والضرائب والرسوم المنخفضة التى تساعد على توفير هذه السلع بالاعتماد على الموارد والخبرات المحلية بشكل أساسى.
*هل تحديث البنية التحتية والتعليمية تعادل فى الأهمية ملف الدعم الموجه لمحدودى الدخل؟
نعم، وبالفعل أظهرت تجارب اقتصادية للدول مثل تركيا وإندونيسيا أن إقامة شبكات ضمان وأمان اجتماعية للفقراء وأصحاب الدخل المحدود أقل تكلفة بكثير من دعم أسعار السلع الاستهلاكية بشكل يشمل الغنى والفقير، كما أظهرت خبرات البلدان الصناعية أن دعم المنتجين بشكل غير مباشر عن طريق تسهيلات فى الضرائب والقروض وتحديث البنية التحتية هو السبيل الأنجع إلى مجتمع الرفاهية.
ويمكن للدول العربية وضع اللبنات الاقتصادية الأولى على طريق الوصول إلى مجتمع كهذا من خلال توفير عشرات مليارات الدولارات سنويا جراء إلغاء هذا الدعم، واستثمارها فى مشاريع البينة التحتية والخدمات العامة.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
نقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصد مستمر علي مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.