95 عامًا على اشتعال ثورة البراق في فلسطين.. أول انتفاضة ضد تهويد القدس.. طقوس "يوم الغفران" اليهودية أشعلت الاحتجاجات.. وتفاصيل مؤامرة "الكتاب الأبيض" البريطانية لخداع العرب
تعد "ثورة البراق" أول انتفاضة فلسطينية ضد محاولة تهويد القدس في عهد الانتداب البريطاني، حيث اندلعت اشتباكات واسعة النطاق بين العرب واليهود عند حائط البراق (الحائط الغربي للمسجد الأقصى) وبلغت الثورة ذروتها في 23 أغسطس 1929، بسقوط عشرات من القتلى والجرحى، وكانت الأحداث قد بدأت يوم 15 أغسطس 1929.
في أوائل القرن العشرين، عمد الانتداب البريطاني إلى تغيير معالم القدس بهدف إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عاصمته القدس استنادا إلى إعلان بلفور عام 1917.
ومع مرور حوالي 10 سنوات من حكم بريطانيا، نظم الصهاينة مظاهرات كبيرة عند حائط البراق زاعمين أنه مكان خاص باليهود وحدهم، فأشعل ذلك أول ثورة للفلسطينيين على بريطانيا والحركة الصهيونية معا.
طقوس يهودية قرب حائط البراق
ومع مطلع يوم 23 سبتمبر 1928 قام بعض المصلين اليهود بوضع مقاعد وأدوات تتعلق بطقوسهم قرب حائط البراق بمناسبة ما يسمونه "الكيبور" أو "يوم الغفران".
اعتبر هذا التصرف إخلالا بالوضع القائم في القدس، الذي يعود إلى العهد العثماني، وجاء بعد محاولات صهيونية في السنوات السابقة لتوسيع حقوق اليهود في جوار الحائط ولشراء أبنية لصيقة به من الأوقاف الإسلامية.
في ذلك الوقت، تدخلت الشرطة البريطانية واصطدمت بالمصلين اليهود عندما شرعت في إزالة المقاعد وأدوات أخرى.
ويوم 3 أكتوبر 1928، قدم وفد من الوجهاء المسلمين مذكرة إلى المندوب السامي بالوكالة هاري شارلز لوك، يطالبون فيها بألا يتجاوز المصلون اليهود الحقوق التي كانوا يتمتعون بها في العهد العثماني.
محاولات الحركة الصهيونية للسيطرة على منطقة الحرم الشريف
وبدعوى الاعتراض على تصرف الشرطة البريطانية، أطلق الصهاينة في فلسطين وخارجها العنان لاحتجاجهم من أجل تغيير الوضع القائم، فأثار ذلك خشية القادة الفلسطينيين من أن تكون نية الحركة الصهيونية السيطرة على منطقة الحرم الشريف وتشييد كنيس يطلّ على حائط البراق.
مؤتمر بمشاركة 800 شخصية إسلامية
ومطلع نوفمبر 1928، وبدعوة من المجلس الإسلامي الأعلى برئاسة محمد أمين الحسيني، عُقد مؤتمر خاص في القدس بمشاركة 800 شخصية إسلامية من فلسطين وسوريا ولبنان وشرق الأردن.
طالب المؤتمر المسلمين في كل مكان بإرسال العرائض لبريطانيا العظمى وعصبة الأمم بشأن حائط البراق والأماكن الإسلامية المقدسة في القدس.
وقرر المؤتمر أيضا تشكيل جمعية لحراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة.
ويوم 19 نوفمبر 1928 أعلن الكولونيل ليوبولد أمري، وزير الدولة لشؤون المستعمرات، "الكتاب الأبيض" الذي رأى أن التصرّف اليهودي عند حائط البراق في سبتمبر يمثّل انتهاكا للوضع القائم، كما كان ساريا تحت الحكم العثماني، وتضمن الكتاب الأبيض تصريحًا بأن السلطات البريطانية تنوي الحفاظ على الوضع القائم.
بعدها، وفي 27 ديسمبر 1928 وجّه الحاج أمين الحسيني، بصفته رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، رسالة إلى حاكم مقاطعة القدس، يوضح فيها أن المجلس "يرجو أن تقوم الحكومة عمليًّا بأسرع وقت بتنفيذ ما جاء في الكتاب الأبيض من وجوب المحافظة على الحالة الراهنة التي كانت في عهد الأتراك".
نشبت ثورة البراق عندما نظم اليهود مظاهرة ضخمة عند حائط البراق في 14 أغسطس 1929 بمناسبة ما أسموه "ذكرى تدمير هيكل سليمان"، مدّعين أنه مكان خاص باليهود وحدهم.
وصبيحة اليوم التالي، 15 أغسطس 1929، أتبعوها بمظاهرة ضخمة في شوارع القدس، حتى وصلوا إلى حائط البراق، وهناك راحوا يصيحون "الحائط لنا"، ويرددون النشيد القومي الصهيوني بالتزامن مع شتم المسلمين.
أُخطرت الشرطة البريطانية بالمظاهرة قبل خروجها، وأرسلت قوات كبيرة لمرافقة المتظاهرين اليهود.
بعدها وفي اليوم الثالث، الجمعة 16 أغسطس، الذي وافق ذكرى المولد النبوي الشريف، توافد المسلمون للدفاع عن حائط البراق، إذ كان ينوي اليهود الاستيلاء عليه، فوقعت صدامات عنيفة بين الجانبين عمّت معظم فلسطين.
نشبت اشتباكات بين الفلسطينيين من جهة واليهود وقوات الانتداب من جهة أخرى في الخليل وصفد والقدس ويافا ومدن فلسطينية أخرى، واستمرت أياما.
أدت المواجهات إلى مقتل 133 يهوديا وجرح 339 آخرين، في حين قتل 116 فلسطينيا وعربيا وجرح 232 آخرون.
تمكنت بريطانيا من السيطرة على الموقف بقسوة، وقدمت للمحاكمة ما يزيد على ألف من العرب والفلسطينيين وحُكم على 27 منهم بالإعدام، بينهم يهودي واحد كان شرطيا دخل على أسرة عربية في يافا مكونة من 7 أشخاص فقتلهم جميعا.
ثم خففت سلطة الانتداب الأحكام إلى السجن المؤبد بحق 23 من الفلسطينيين، وأيّدت حكم الإعدام بحق 3 بعد اتهامهم بقتل يهود، هم: فؤاد حسن حجازي، ومحمد خليل جمجوم، وعطا أحمد الزير، الذين نفذ فيهم الحكم يوم 17 يونيو 1930، في سجن مدينة عكا المعروف باسم "القلعة"، ولأن الشهداء الثلاثة أعدموا يوم الثلاثاء، فقد أطلق عليه يوم "الثلاثاء الأحمر".
وكمحاولة من بريطانيا لمنع تكرار ثورة أخرى على غرار ثورة البراق، أصدرت سلطة الانتداب في 25 أكتوبر 1929 مرسوما أطلقت عليه "قانون العقوبات (جرائم إثارة الفتنة)".
حدّد القانون الجرائم التي تُعدّ إثارة للفتنة ضد سلطة الانتداب، مع العقوبة المقابلة.
بعد ثورة البراق، قرّر مجلس عصبة الأمم يوم 14 يناير 1930 تشكيل لجنة على وجه السرعة اقترحت الحكومة البريطانية أسماءها، وتكليفها بالبتّ في "مسألة حقوق ومطالب المسلمين واليهود في حائط المبكى (البراق)".
انتهت اللجنة إلى أن ملكية حائط البراق تعود إلى المسلمين، ولهم وحدهم الحق العيني فيه، كما رأت أن الحائط الغربي يعدّ جزءًا لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف.
وأكدت أن لليهود الحق في حرية الوصول إلى الحائط الغربي لإقامة التضرعات "الصلوات" في جميع الأوقات مع مراعاة عدد من الشروط. وفي واقع الأمر، فإن اللجنة أقرّت الوضع القائم الذي كان سائدًا في عهد العثمانيين.
أما في 12 مارس 1930 فقد نشرت "لجنة شو" (لجنة تحقيق بريطانية ترأسها السير "والتر شو") تقريرها بشأن أحداث حائط البراق، إذ رأى أن الهجرة الصهيونية والممارسات المتعلقة بشراء الأراضي هي السبب الرئيسي للاضطرابات، مشيرا إلى "خوف العرب المزدوج من أنهم سيحرمون من وسائل معيشتهم، ويسيطر عليهم اليهود سياسيًّا يومًا ما بسبب الهجرة اليهودية وشراء الأراضي".
أيضا، أعربت لجنة "شو" عن تأييدها صدور مرسوم قانون العقوبات "جرائم إثارة الفتنة" في أكتوبر 1929، أي بعد شهرين من ثورة البراق.
بعدها، وفي الثاني من مايو 1930 أوفد وزير المستعمرات البريطاني اللورد باسفيلد "الشهير بسدني وب" السير جون هوب سمبسون إلى فلسطين بغية التشاور مع المندوب السامي، والنظر على أرض الواقع في مسائل الهجرة واستيطان الأراضي وتطويرها.
وقد كان باسفيلد يرمي إلى تهدئة احتجاجات اليهود وأنصارهم الذين كانوا قد عبروا عن رفضهم لنتائج تقرير لجنة "شو"، وطالبوا بتشكيل لجنة تحقيق ومتابعة النظر في مسألة الأرض والهجرة.
رموز الثورة
ومن قيادات ثورة البراق:
- محمد أمين الحسيني.. ولد في القدس، وتلقى علومه فيها قبل أن يلتحق بالجامع الأزهر في القاهرة، وأدى فريضة الحج مع أهله سنة 1913 وهو شاب، فأُطلق عليه لقب "الحاج" ولازمه هذا اللقب حتى وفاته.
أرسله والده إلى إسطنبول سنة 1915 للدراسة، لكنه انتسب إلى الكلية العسكرية وتخرج فيها برتبة ضابط صف، والتحق بالثورة العربيّة بقيادة الأمير فيصل قبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914- 1918).
عند بدء الاحتلال البريطاني لفلسطين، عُيّن سنة 1918 مرافقًا خاصًّا للحاكم البريطاني العسكري، ولم يلبث أن استقال من منصبه احتجاجًا على سياسة بريطانيا المؤيدة للصهيونية، ومارس التعليم في كلية المعارف في القدس.
انتخب رئيسًا لـ"النادي العربي" في القدس، وهو أول تنظيم سياسي في فلسطين مناوئ لسياسة وعد بلفور.
حكمت عليه السلطات البريطانية سنة 1920 بالسجن غيابيًّا لتزعمه المظاهرات، فهرب إلى الكرك، ومنها إلى دمشق في العهد الفيصلي، لكنه عاد إلى القدس في العام نفسه بعد أن عفا عنه المندوب السامي السير هربرت صموئيل المعيّن حديثًا، وفاز بمنصب الإفتاء في مايو 1921 خلفًا لأخيه الأكبر كامل الذي توفي.
وفي يناير 1922 عيّن الحسيني رئيسا لـ"المجلس الإسلامي الأعلى"، واتهمه اليهود بتدبير "ثورة البراق" سنة 1929، إلا أن الحكومة البريطانيّة برّأته.
- الشيخ فرحان السعدي، فلاح فلسطيني من مواليد 1856 بقرية المزار في جنين شمالي الضفة الغربية، هو أول من أطلق شرارة ثورة البراق في قضاء جنين مع مجموعة من المجاهدين الذين تصدّوا لسلطة الانتداب البريطاني بالتمرد والعصيان، فقبض عليه وسجن 3 أعوام في سجن عكا وسجن نور شمس.
وكان للسعدي أيضا دور كبير في اندلاع ثورة عام 1936، حيث ألقي القبض عليه مرة أخرى وحكم عليه بالإعدام ونفذ الحكم بحقه في نوفمبر 1937.
- عطا أحمد الزير، ولد في مدينة الخليل بفلسطين عام 1895، عمل بالزراعة وشارك بفعالية في ثورة البراق، قبض عليه وحوكم بالإعدام ونفذ الحكم فيه يوم 17 يونيو 1930 في سجن القلعة بمدينة عكا.
- فؤاد حسن حجازي، من مواليد مدينة صفد بفلسطين عام 1904، تلقى تعليمه الابتدائي في المدينة، والثانوية في الكلية الإسكتلندية، وأتم دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية ببيروت.
شارك حجازي في ثورة البراق وحكم عليه بالإعدام، وهو أول من نفذ فيه الحكم يوم 17 يونيو 1930، قبل زميليه محمد خليل جمجوم، وعطا أحمد الزير.
- محمد خليل جمجوم، ولد في حي القزازين، في البلدة القديمة من مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية عام 1902، وفيه تعلم القراءة والكتابة في الكتاتيب في أواخر العهد العثماني (1516-1917)، ثم أكمل دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت.
اشتغل محمد مع والده منذ الصغر في التجارة بين فلسطين ومصر، وحينئذ كان الاعتماد على الجمال في نقل البضائع.
كان جمجوم يستعد للزواج مع نهاية صيف 1929 بإحدى جاراته، لكن الانتداب البريطاني اعتقله يوم 27 أغسطس 1929 قبل موعد زفافه بأيام، وظل رهن الاعتقال حتى إعدامه في 17 يونيو 1930.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.