حرب الأجندات فى السودان، قرارات الأمم المتحدة اهتمت بالجانب الإنسانى ولا تطرح مبادرة شاملة لإنهاء الأزمة، وخبراء يكشفون فرص المبادرة المصرية
مجازر وحشية، وصراع صفرى بين الجيش والدعم السريع خطف أنظار العالم أجمع نظرا لوحشيته، إذ يتيح لهم فرصة من ذهب لارتكاب جرائم مروعة فى الخرطوم بعيدا عن الأضواء والإعلام.
استفاق العالم أجمع نهاية الأسبوع الماضى، على جريمة وحشية فى قرية ود النورة التابعة لولاية الجزيرة، خلفت مئات القتلى والجرحى، أغلبهم من النساء والأطفال دفنوا فى مقبرة جماعية، وأظهرت المقاطع المصورة مدى وحشية الجريمة نتيجة قصف المدنيين بالأسلحة الثقيلة.
ومع الصمت المطبق نتيجة المصالح الدولية فى السودان، لم تهدأ عاصفة أخبار مجزرة ود النورة، ليتكشف بعد ساعات ارتكاب جريمة وحشية جديد فى “أم درمان”.
المجزرتان اتهم بارتكابهما عناصر الدعم السريع التى يقودها محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتى»، وفق الروايات الرسمية الصادرة عن الجيش السودانى ومجلس السيادة والأحزاب السياسية، وكانت لهما انعكاسات سياسية تمثلت فى إعلان رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان عدم الجلوس أو التحاور مع أفراد من تنسيقيات “تقدم” و”قحت”، ووصفهما بـ«داعمى ميلشيا الدعم السريع».
الأمر برمته بات يثير الريبة والقلق على صعيد احتمالية تطور الصراع فى السودان، فى ظل تنامى القتال وارتكاب المجازر ما يعكس إجهاض أى محاولات إقليمية لتقريب وجهات النظر بهدف توقيع اتفاق سلام بين الأطراف المتحاربة، لإنقاذ الأوضاع فى دولة باتت مهددة لدول الجوار العربى والأفريقى، وأصبحت مبعث قلق على حدود مصر الجنوبية نتيجة أمواج هجرة السكان من بؤرة الصراع، علاوة على احتمالية تطوره بشكل أكثر دموية.
الدكتورة أمانى الطويل، الباحثة فى الشأن السودانى ومديرة البرنامج الأفريقى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وضعت تصورا كاملا أمام «فيتو» حول ما يدور بالسودان الشقيق، مؤكدة أن المجازر التى ارتكبتها قوات الدعم السريع ما هى إلا عمليات ممنهجة تهدف إلى تقويض الجهود الراهنة التى ترمى إلى تحجيم الحرب فى الخرطوم.
وأضافت أنه من المحتمل أن تعرقل المجازر والجرائم المرتكبة الجهود الدولية بالتنسيق مع مصر محاولة خلق توافق بين الكتل السودانية وخلق توازنات بهدف بلورة توافق بين أطراف النزاع، لأن -المجازر- تزيد من الاستقطاب السياسى وتحفز الانتقام لدى بعض الفصائل، والتى بدورها ستقضى على جميع الجهود التى بذلت لتحقيق السلام خلال الفترة الماضية مما يعيد السودان إلى المربع صفر من جديد.
ولفتت الطويل، إلى أن مليشيا الدعم السريع لجأت إلى استهداف المدنيين السودانيين كتكتيك عسكرى جديد، من أجل إجبارهم على النزوح للسماح لها بالسيطرة على مزيد من الأراضى، وبالتالى زيادة نفوذها السياسى وضمان مقعد لها على أى طاولة مفاوضات أو داخل أى معادلة سياسية لإنهاء الأزمة السودانية.
واختتمت قائلة: الجيش السودانى خلال الفترة الماضية حقق تقدما ميدانيا فى بعض المناطق خاصة فى أم درمان، المدينة التى شهدت عمليات قتال عنيفة.
من جانبه قال السفير محمد الشاذلى، سفير مصر السابق بالسودان.
اعتبر أن أعمال القتل والتدمير هدفها تحقيق مكاسب وأطماع شخصية بعيدة عن المصلحة العامة للدولة، خدمة لأجندات خارجية تهدف إلى تقسيم السودان للسيطرة على موارده، وبدأت بالفعل قوى دولية وإقليمية تستغل النزاع بدعم طرف ضد الآخر لأجل تحقيق مصالحها فى هذا البلد العربى.
وأضاف أن كل دولة اختارت دعم طرف يضمن لها مصالحها، حيث بدأ الجيش السودانى مؤخرا بتلقى دعم عسكرى من إيران التى أمدته بطائرات مسيرة أحدثت فارقا واضحا فى المعارك خلال الأيام الماضية، وبين روسيا الطامحة فى التواجد بالقارة السمراء ووضع موطئ قدم لها على البحر الأحمر، وأمريكا التى تحارب التمدد الروسى وتسعى لخلع أنياب أوروبا والصين فى المنطقة، لذا بدأت تتحرك فى ملف السودان وتحاول دفع عجلة المفاوضات.
وأضاف: تريد واشنطن قيادة مساعى السلام فى السودان والضغط على أطراف النزاع من خلال العقوبات، إلا أنها حتى الآن لا تجد قبولا لدى الدعم السريع أو الجيش السودانى، ولا يوجد دور فعال لأى من الفصائل أو التيارات المدنية لتقريب وجهات النظر بين الجيش والدعم السريع والجلوس على طاولة الحوار من أجل التوصل لصيغة ترضى جميع الأطراف.
وحذر السفير محمد الشاذلى من خطورة استمرار القتال وزيادة الاستقطاب على مستقبل السودان، لأنه يدفع نحو مصير التقسيم إلى دويلات، فالدول الخارجية كل منها يضع عينه على قطعة داخل الأراضى السودانية ولو كان ثمن ذلك دماء الشعب.
واختتم السفير محمد الشاذلى حديثه مؤكدا أن إنهاء الأزمة لن يتم إلا وفق حل سودانى، ولن تكون هناك جهود وساطة ناجحة بدون وجود دور (سوداني-سودانى) فعال للدفع بعجلة المفاوضات قدما والضغط على أطراف النزاع لوقف الحرب وتغليب الصالح العام.
من جانبه قال السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الأفريقية، إن المجازر التى ارتكبتها قوات الدعم السريع تزيد الأزمة سوءا، إلا أنها لن تثنى الجهود الدولية للضغط على أطراف النزاع للجلوس على طاولة المفاوضات.
وأوضح أنه جراء الفشل المتكرر فى المبادرات الأممية أو حتى مبادرات دول الجوار، لم يتم تقديم أى مشروع قرار يتم مناقشته فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى لوقف الحرب السودانية، وذلك نتيجة عدم وجود موقف دولى موحد من الأزمة.
وفى الفترة الأخيرة بدأ يظهر انقسام بين دول منظمة الإيجاد حول الملف السودانى، الأمر الذى صعد من الأحداث وأدى إلى ارتفاع وتيرة القتال مجددا، فالكل يسعى إلى تحقيق مكاسب على الأرض، وهناك قوى دولية وإقليمية قدمت دعما مباشرا لأطراف النزاع، وهو ما تسبب فى زيادة وتيرة القتال وسقوط العديد من الضحايا من المدنيين وتهجير الآلاف.
وانحصرت قرارات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولى أو حتى المنظمات الدولية والإقليمية فى معالجة جانب واحد من جوانب الأزمة السودانية، وفى الغالب ما تركز على الجانب الإنسانى، خاصة فى ظل سقوط عدد كبير من القتلى فى صفوف المدنيين وتردى الأوضاع الإنسانية وصعوبة دخول المساعدات إلى النازحين، لذا لا توجد مبادرة شاملة لإنهاء الأزمة السودانية بشكل كامل، وتناقش جميع النقاط العالقة بين طرفى الصراع ومحاولة تقريب وجهات النظر بينهم.
وبين أن المبادرة المصرية تقوم على عدد من المبادئ الأساسية، من ضمنها الحفاظ على سلامة السودان ووحدة أراضيه، والجيش مسئول عن حماية الدولة، كما يجب أن يكون الحوار (سودانيا-سودانيا)، ودمج قوات الدعم السريع فى الجيش، وإبعاد القوات المسلحة عن العملية السياسية، حتى ينتهى الأمر بتشكيل حكومة انتقالية يتم التوافق عليها.