حديث قلب
المحمودان.. في معهد الموسيقي العربية
صدق أحد الفلاسفة الغربيين عندما قال: (من دون الموسيقي يبدو العالم فارغا، فالموسيقي تمنحنا شهوة الحلم والذهاب بعيدا في الحنين، وتعطي روحا للكون، وأجنحة للعقل)..
وأفضل أماكن تذوق الموسيقي في القاهرة من وجهة نظري الشخصية هي الاوبرا بمسارحها الثلاثة: المسرح الكبير بالجزيرة، ومسرح الجمهورية بعابدين، ومعهد الموسيقي العربية بشارع رمسيس..
فبين جدران هذه المسارح الثلاثة تطرد العملة الجيدة العملة الرديئة، ويفرض الفن الراقي الأصيل نفسه علي أشباح التلوث السمعي ومحترفي الأغاني المنحطة والألحان الهابطة، فيضربها في مقتل!
ويصدح هنا مجد الغناء الحقيقي عاليا فيشبع القلب بالحب والرومانسية، ويروي الفؤاد والوجدان بالسعادة والرقي والذوق الرفيع!
ولذلك نحن رواد الأوبرا نعرف بعضنا بالشكل والملامح فقط، لا بالأسماء، لان جمهور الأوبرا لا يتغيرون، يجمعهم حب الموسيقي والفن والإبداع، وغالبيتنا من الجيل القديم الذي أحب أم كلثوم وعشق عبدالوهاب وفريد وقنديل وعبد الغني السيد وكارم محمود ونجاة وفايزة وسعاد محمد، وغيرهم..
حظوا بتذوق أصوات نجوم الزمن الجميل، بشخوصه الرائعين، وألحانه غير القابلة للتكرار، فالموسيقي صادقة لا تكذب أبدا، والفن الأصيل هو عنوان الأمم، وصانع حضارتها وتاريخها ومجدها..
لكن أكثر مسارح الأوبرا المحببة إلي نفسي هو معهد الموسيقي العربية العريق، الذي يقدم شهريا حفلاته الموسيقية المتميزة من خلال عدد كبير من المطربين الذين يتمتعون بمواهب عالية، وعازفين مهرة يقدمون أعذب الألحان، خاصة الكلثوميات والوهابيات والاغاني التراثية..
يجذبني معهد الموسيقي بتاريخه العريق، فقد مر علي إنشائه مائة عام بهدف حفظ التراث المصري الأصيل، والذي كان يعاني وقتها من عدم الاهتمام وكان يشكو وقتها هبوط مستواه، فكان الأمل الكبير الذي تحقق عبر تاريخه وهو الارتفاع بمستوي الموسيقي الشرقية..
وشهد هذا المعهد الفريد من نوعه تخرج مجموعة كبيرة من كبار الموسيقيين أمثال محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم نويرة، وغيرهم..
وينقسم معهد الموسيقي العربية إلي المسرح الرئيسي، والذي يقام عليه العديد من العروض الموسيقية بعد عملية التجديد والإحلال، ونقوش جدرانه المنمنمة الدقيقة، وقد أسعدني الحظ بمشاهدة شخصية عربية محبة لمصر وهي صاحبة السمو الملكي الاميرة نورة أل سعود، وهي تضع زيارة الأوبرا في مقدمة برنامجها السياحي لزيارة مصر..
وكانت تصور بكاميرتها الاسقف والجدران بالوانها الزاهية التي لم تتغير منذ بناء هذا الصرح الثقافي القديم منذ مائة عام في عهد الملك فؤاد، وكل هذه الرسومات يدوية، وبأشكال فخمة وبهية!
وهذا المعهد غني أيضا بالمكتبة الموسيقية التي تحتضن العديد من الكتب والمخطوطات النادرة المتعلقة بفن الموسيقي، كما تحوي مجموعة من التسجيلات الموسيقية للمطربين والمؤلفين المصريين والعرب..
ثم متحف محمد عبدالوهاب في الطابق العلوي، ويقدم نبذة عن حياة أكثر الفنانيين شهرة علي مستوي العالم العربي، ومتحف الالات الموسيقية بمجموعة فريدة قديمة من كل نوع..
ووراء قصة نجاح معهد الموسيقي العربية بصورته الحالية المشرفة قيادة إدارية حازمة تتمثل في المحمودين: الاستاذان محمود عفيفي، ومحمود عرفة، ويملكان دفتا الميزان لنجاح الأهداف، حيث يمتلكان مهارات فنية وإدارية وشخصية قادرة علي إدارة فريق العمل بكفاءة، والقدرة علي التواصل مع الجمهور والفنانين علي حد سواء..
لذا أطالب الفنانة القديرة الدكتورة لمياء زايد رئيسة دار الاوبرا المصرية، بتشجيع هذان المسئولان ودعمهما، للإستمرار في بناء وإعداد صف ثاني قادر علي تحمل المسئولية..