سؤال علاء مبارك وإجابة ساويرس
سؤال شائك طرحه علاء مبارك على حسابه بموقع التواصل الاجتماعى "أكس"، سأل فيه عن مستقبل الصحافة الورقية، ورغم بعد الرجل عن المهنة إلا أنه لخص الحال القائم، وسرد متغيرات العصر وتطور التكنولوجيا ولجوء القارئ إلى السوشيال ميديا، متسائلا عن مستقبل الصحافة الورقية في مصر؟
وجاءت الإجابة الحاسمة من رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس، الذي أكد على أنها -الصحافة الورقية- سوف تندثر مثل الكاميرا الكوداك.
وعندما قرأت تغريدة علاء مبارك وإجابة ساويرس، وكغيري من أبناء جيلى في المهنة، الذين تربوا على المطبوع -كما نسميه في لغتنا بصالات التحرير- تذكرت أيام انتظار قطار الصحافة الذي كان يصل إلى محافظتى بنى سويف وقت الفجر، كانت الربطة (رزمة الصحف) عندما يلقيها المسئول عن العربة أشبه بمقطوعة موسيقية هادئة على شواطئ مطروح، تبعث الراحة في النفس..
فكنا نعلم أن بداخل تلك الصحف -على مختلف مسمياتها ومهما كانت التوجهات سواء موالية أو معارضة وفى متنها ما يشبع النهم، من كافة الفنون الصحفية الخبر والتقرير والتحليل ومقال الرأي.. إلخ.
وبعيدا عن سؤال السيد علاء مبارك وربما تكون أهميته أنه جاء من شخص خارج المهنة، فإن متغيرات العصر ليست قاصرة على مصر أو المنطقة العربية، بل طالت أعرق الصحف الأمريكية والبريطانية، والتي تكيفت مع الواقع الجديد، ومنها من تحول بشكل كامل إلى الويب، وتخلى عن فكرة المطبوع..
فحتى كبار السن وهم المشترون الأساسيون للصحف الورقية هم أنفسهم فرضت التكنولوجيا نفسها على عدسات النظارات التى يرتدونها، فيوميا تأتينى طلبات إضافة صداقة من أساتذة كبار، أصبح لهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعى.
وللحق فإن أغلب الصحف المصرية تواكبت مع المتغير الجديد، وجميع المطبوعات التقليدية تمتلك حاليا بوابات إلكترونية، لكن القالب الصحفى لم يعد المشكلة بقدر ما يحتويه، وهناك صحف عريقة مثل واشنطن بوست وغيرها من الصحف الأمريكية ذهبت إلى القارئ من الفضاء الإلكتروني..
لم تقف فى مكانها تنتظر عاصفة الزوال، لكنها احتفظت بالقارئ واستفادت من الانتشار الإلكتروني في جذب قراء جدد، على عكس الصحف المصرية التى تفقد قراءها لصالح غول مواقع التواصل الاجتماعى.
كان بإمكان الصحف المصرية الاستفادة من التطورات التكنولوجية، وضم شرائح جديدة لمتابعتها، لكن تعامل الحكومة مع الصحافة والصحفيين على أنهم أعداء، واعتبار النقد البناء خيانة للوطن، والتنكيل والتكبيل وحجب المعلومات وتصنيف أبناء المهنة الواحدة، وترسيخ مبدأ الشلة المكونة من أهل الثقة كل ذلك أوصل الوضع في نهاية المطاف إلى خسارة النزال على حلبة التكنولوجيا لصالح السوشيال ميديا.
الحكومة المصرية توهمت أنها نجحت فى توجيه الضربة القاضية للصحافة المزعجة، لكنها تقف عاجزة حاليا عن مواجهة شائعات وأكاذيب المنصات، وتغافلت عن مسميات مثل حروب الجيل الرابع واللجان الإلكترونية والذباب الأزرق، وحتى عندما تلجأ إلى الصحافة لضبط إيقاع المجتمع ونفى الشائعات التى تستهدفها فإنه مع الأسف تتوج محاولاتها اليائسة بالخسارة.
تاريخيا قال توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية (1801–1809) وقت حكمه قبل قرنين من الزمان: «لو أنني خيرت بين أن تكون لدينا حكومة دون صحف، أو صحف دون حكومة، لما ترددت لحظة في تفضيل الخيار الأخير، فإذا كانت الصحافة حرة، وبإمكان الجميع القراءة، فسوف يعم الأمان».
نعم ذهبت الصحافة الورقية بمتعتها وبهائها، وهو واقع لابد أن نعترف به، لكن التحدي الآن هو الحفاظ على قواعد وأصول المهنة في ملامح الصحافة الجديدة: المواقع والوكالات والشبكات الإخبارية الإلكترونية المقروءة أو المتلفزة أو المسموعة، والمطلوب رفع القيود وإتاحة المعلومات لمواجهة أمواج الأخبار الزائفة القادمة من غرف مظلمة تديرها جماعات فوضوية وأجهزة استخبارات عالمية.