رئيس التحرير
عصام كامل

قانون تأجير المنشآت الطبية، الأطباء: القانون كارثى على المنظومة الطبية والعاملين بالقطاع والمواطنين الدكتور إبراهيم الزيات: تطوير المستشفيات وإدارتها مسئولية الدولة وليس المستثمر

نقابة الأطباء، فيتو
نقابة الأطباء، فيتو

فجَّر قانون إدارة وتشغيل المرافق الصحية الذى أقره مجلس النواب مؤخرًا الكثير من الجدل، إذ يمنح القطاع الخاص سلطة إنشاء وإدارة وتشغيل المرافق الطبية التابعة لوزارة الصحة، وسط مخاوف متزايدة لدى أغلب المصريين بشأن المخاطر المحتملة من هذا القانون حال إقراره، وفى مقدمتها إهدار الحق الدستورى للمواطنين فى رعاية صحية بأسعار معقولة ومناسبة وخاصة محدودى الدخل.

وتطرح النخب من كل الاتجاهات مخاوفها من الفكرة خاصة فى ضوء ما يعانيه القطاع الطبى حاليا من أزمات بالجملة، فيما أكد خبراء أن القانون لا يتضمن شروطا واضحة لتسعير الخدمات الصحية عندما يتم نقل إدارة مرفق صحى عام إلى القطاع الخاص، وهذا الشرط ضرورى لمنع المستثمرين من تضخيم الأسعار لتعظيم عوائدهم فى الوقت الذى تقدم جميع المستشفيات الحكومية خدماتها “مجانا” أو بأسعار رمزية لأكبر عدد من المرضى.

ولا ينص القانون على أى نوع من الاشتراطات التى وضعتها فى الحسبان البلدان الأخرى التى فعَّلت الشراكة  بين القطاعين العام والخاص فى الخدمات الصحية، إذ تجاهل القانون أيضا مصير العاملين فى مجال الرعاية الصحية، بما فى ذلك الأطباء والممرضات وغيرهم من الموظفين فى هذه المرافق العامة، وإذا ما قرر المستثمر الخاص خفض القوى العاملة لتحقيق أرباح أعلى لن يكون أمامه إلا تسريح أعداد كبيرة من العمالة الطبية وتشريد أسرهم.

«فيتو» تناقش فى هذا الملف مع كافة المعنيين وفى مقدمتهم نقابة الأطباء وكبار العاملين بالقطاع الطبى والنواب والسياسيين هذا المشروع المثير للجدل، والوضع الحالى فى القطاع الصحي، ورحلة هذا القطاع فى عهود رؤساء مصر، فإلى التفاصيل:

 

سيطرت حالة من القلق على الوسط الطبى فى مصر بعد موافقة البرلمان على قانون تأجير المستشفيات الحكومية للمستثمرين، خوفا من تحول المنشآت الصحية الحكومية إلى مستشفيات خاصة يتحكم فيها مبدأ «الربح أولا» على حساب المريض، بخلاف تدمير ما تبقى من المنظومة الصحية وأعضائها الذين يلجأون إلى الهجرة بكثافة غير مسبوقة بسبب البيئة الطاردة للعمل فى البلاد.

 

الدكتور إبراهيم الزيات، عضو مجلس نقابة الأطباء أوضح أوجه الاعتراض على قانون تأجير المنشآت الطبية، وقال إن النقابة عقدت اجتماعا بحضور النقابات الفرعية لمناقشة القانون وتقديم أوجه الاعتراض عليه، وعلى الدولة منح المستثمرين حزمة من الحوافز لتشجيعهم على بناء مستشفيات جديدة، لدعم الإمكانات الصحية فى مصر، وإضافة أسرة جديدة والمساعدة فى سد العجز فى الأسرة، لخدمة آلاف المرضى من المواطنين، ودعم القطاع الأهلى والخاص لتطوير منشآته وتحمل مسئولياته فى تقديم الخدمات الصحية إلى جانب المنشآت الحكومية، وذلك بدلا من منح المستثمرين المصريين أو الأجانب التزام المستشفيات الحكومية القائمة لإدارتها وتشغيلها.

وأضاف الزيات لـ”فيتو”، أن تطوير هذه المستشفيات وحسن إدارتها مسئولية الدولة، موضحا أن قانون التأمين الصحى الجديد يلزم الحكومة برفع كفاءة المستشفيات الحكومية عند تسليمها إلى هيئة الرعاية الصحية، الذراع الحكومية لتقديم الخدمات الصحية للمواطنين المصريين فى المحافظات التى يبدأ بها التأمين الصحى الجديد.

كما أن مشروع القانون المقدم، لا يوجد به أى معايير واضحة لمعرفة التزام المستشفيات، متسائلا عن المعايير التى يتم على أساسها اختيار مستشفى للاستثمار، كما أنه لا يوجد أى ضمانات فى القانون لحماية حقوق العاملين فى هذه المستشفيات سواء الأطقم الطبية أو الإدارية، ولا توجد أيضًا فى مشروع القانون أى ضمانات لإلزام المستشفى باستمرار تقديم الخدمة للمواطنين وفق أى نظام أو لائحة سواء اللائحة الجديدة المطبقة حديثًا اللائحة ٧٥ أو اللائحة ٢٠٠ لائحة المراكز الطبية المتخصصة أو بقرارات علاج على نفقة الدولة أو لائحة المؤسسة العلاجية.

وتابع، إذا كان السبب فى اللجوء لمنح الالتزام هو فشل إدارات المستشفيات والمنشآت المختلفة فيجب دراسة أسباب الفشل وعلاجها وتنمية قدرات الأطقم الإدارية ورفع كفاءتها، وإذا كان السبب ضعف الإمكانات فإنه لا بد من زيادة ميزانية الصحة وإطلاق مشروع قومى لتطوير هذه المنشآت الصحية ورفع كفاءتها الإدارية والفنية وتطبيق هيكل عادل للأجور، ولن يكون هناك مشروع قومى أهم من ذلك.

واستطرد قائلا: الحقيقة لن يكون الحل هو اللجوء لمنح التزام المستشفيات والمنشآت الحكومية للمستثمرين، والحقيقة الأهم أنه إذا تم وضع الخيار أمام المستثمر لأخذ الالتزام لبناء مستشفى أو الالتزام لإدارة وتشغيل مستشفى فالأغلب لن يتقدم أحد لتحمل مسئولية البناء، ولن يتم إضافة أسرَّة لمصر، ولن يتقدم إلا للمنشآت الناجحة والواعدة، والتجربة السابقة أن المستثمرين الأجانب قاموا بشراء المستشفيات الناجحة وضاعفوا أسعارها ولم يضيفوا أى أسرَّة ولا أى قيمة حقيقية لمصر.

وقال إن النقابة سبق أن طالبت بتطبيق اللائحة المالية لهيئة الرعاية الصحية، على جميع الأطقم الطبية التى تعمل فى المستشفيات الحكومية، لأن ضعف رواتب الأطباء يعد أحد أهم أسباب نقص الأطباء فى المستشفيات والوحدات الصحية ولجوئهم للهجرة إلى الخارج، هذا بالإضافة إلى بيئة العمل الطاردة فى مصر.

من ناحيته قال الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء واستشارى الطب النفسى، إن قانون تأجير المستشفيات الحكومية هو قانون كارثى على جميع الأطراف سواء المواطنين أو المنظومة الطبية أو العاملين بالقطاع الطبى، حيث سيتم تأجير المستشفيات ذات الجودة العالية التى تقوم بتقديم خدمة طبية عالية مثل مستشفيات الجامعة التابعة للتعليم العالى، والمستشفيات الموجودة فى المناطق الراقية هى التى يسعى المستثمر لتأجيرها، مثل مستشفى هليوبليس ومستشفى هرمل ومستشفى مبرة المعادى ومستشفى العجوزة، وهى أفضل المستشفيات الحكومية، وبالتالى المواطن المصرى سيفتقد مستشفيات حكومية ذات كفاءة عالية.

وأضاف حسين، أن القانون يستثنى تحديد أسعار تقديم الخدمة الطبية من قبل المستثمر للمواطنين دون وضع حد أقصى لثمن الخدمة الطبية المقدمة، وهو استثناء للقانون الملكى الذى تم وضعه عام 1947، وهو وضع نسبة 10% حدا أقصى من أرباح المستثمر، وللأسف لا يوجد آلية لإلزام المستثمر بتحديد نسبة معينة لعلاج المواطنين فى التأمين الصحى أو نفقة الدولة.

وتابع: كما أن القانون بالطبع يؤثر بالسلب على الفرق الطبية والعاملين لأن القانون يتيح تسريح أو الاستغناء عن 75% من العاملين، حيث تقوم وزارة الصحة بتوزيعهم على المستشفيات الأخرى، ما يتسبب فى عدم استقرار اجتماعى لهم، كما يسمح للمستثمرين باستقدام الأطباء الأجانب من خارج مصر ويعطيهم وزير الصحة ترخيص مزاولة المهنة طبقا لهذا القانون الجديد، وهذا يعتبر تجاوز للقوانين دون المرور على القوانين المخصصة لذلك، ما يشكل خطورة، لأنه سيسمح لأشخاص غير مؤهلين بمزاولة المهنة، سواء لأنهم خريجو جامعات غير معترف بها، أو لأن المستثمر سيسعى لاستقطاب هؤلاء لقلة أسعارهم، ما يشكل خطورة كبيرة على المنظومة الطبية فى مصر.

وأكد الدكتور أحمد حسين، أن هذا القانون غير دستورى ويناقض المادة 18 من الدستور التى تلزم الدولة بالحفاظ على المنشآت الصحية ودعمها.

وطالب استشارى الطب النفسى، الرئيس عبد الفتاح السيسى، بضرورة عدم الموافقة على هذا القانون الكارثى الذى سيزلزل الأرض أسفل المواطن، ولا يوجد حل لهذا القانون سوى إلغائه وليس تعديله، حفاظا على منظومة الصحة فى مصر.

بينما قال الدكتور إيهاب طاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء سابقا، إن هذا القانون يمثل خطورة بالغة على المواطنين وله تأثيرات سلبية على الطواقم الطبية، إذ يؤدى تطبيق القانون لتقليص نسبة الخدمات المقدمة للمواطنين سواء بالمجان أو بتكاليف مخفضة لصالح العلاج الاستثمارى، بالإضافة إلى ما أقره القانون من حق المستثمر فى الاستغناء عن 75% من العاملين الذين سيتم نقلهم لمنشآت أخرى مما يهدد استقرار الطواقم الطبية، كما سيؤثر سلبا على نظم تدريبهم بالمستشفيات المتميزة التى سيتم منحها للمستثمرين، كما أن المستثمر سيحق له استقدام نسبة من 15- 25% من الأطباء والتمريض الأجانب ليعملوا بمستشفيات الدولة.

وأضاف طاهر: القول بأن الأطباء الأجانب سيساهمون فى تدريب المصريين فهذا مردود عليه بأن القوانين الحالية تسمح بالفعل باستقدام أطباء أجانب من ذوى الخبرات المتميزة للعمل والتدريب لفترات مؤقتة، ويمكن لوزارة الصحة عمل بروتوكولات منتظمة لذلك، مؤكدا أن الصحة حق للمواطن، كما أن المحافظة على المرافق الصحية العامة ودعمها هى أحد التزامات الدولة المقررة بموجب المادة 18 من الدستور، وبالتالى فإن هذا القانون ينطوى على مخالفات دستورية.

وتابع: بالنظر للمستثمرين المصريين فهم يحق لهم طبقا للقوانين الحالية إنشاء أو تأجير أو إدارة منشآت طبية خاصة، ولكن لا يجب السماح لهم بالاستحواذ على المنشآت الحكومية القائمة لإدارتها لحسابهم الخاص مع تخصيص نسبة محدودة للمواطنين، أما بالنسبة للمستثمرين الأجانب نرى أنه يجوز السماح لهم بالاستثمار فى المستشفيات الخاصة بنظام الإنشاء والإدارة وليس شراء أو تأجير المستشفيات القائمة، وذلك حتى يضيفوا أسرَّة وخدمات جديدة لتكون الاستفادة متبادلة بين المستثمر والدولة، مع ضرورة تقييدهم بنسبة محددة لا ينبغى تجاوزها حتى تظل الحصة الحاكمة فى إجمالى المنشآت الصحية الخاصة بيد المصريين.

 

الجريدة الرسمية