الإمام الأعظم والأستاذ الإمام!
في ضمير المصريين والعرب وفي وعيهم الجمعي استقرت فكرة التجديد بمعناها الشامل الذي يقدر العقل ويمنحه صلاحيات واسعة في فهم النصوص وتدبرها واستنباط الأحكام منها.. لتدور الأحكام الفقهية مع مصالح عباد الله في كل زمان ومكان..
ودون أن يجتمع الناس ليقرروا أمرهم تجدهم انحازوا لمدرسة العقل، وللعقل نفسه كما قلنا، ولذلك ودون تشاور أطلقنا علي الإمام أبي حنيفة "الإمام الأعظم" وعلي الإمام محمد عبده "الأستاذ الإمام"! ولا يجمعهما إلا تقديم العقل علي النقل في فهم النصوص..
وبتبسيط نقول أنهما أسسا لمدرسة التفكير في النص وفهمه واستنتاج الحكم منه حتي لو كانت هناك أحاديث أو روايات.. لماذا؟ لأن القرآن الكريم عندهم قطعي الورود.. أي أن نصوصه ثابتة مؤكدة منزلة من عند الله وتعهد الله بحفظه.. أما الأحاديث الشريفة فهي ظنية مهما بلغت قوتها ما لم تكن متواترة.. ولم يتعهد الله بحفظها مثل القرآن..
ولذلك ضرب الإمام الأعظم المثل في رجاحة العقل والقدرة علي استنباط الأحكام والآراء الفقهية، وفي مصر حيث مجتمع الاعتدال أخذنا بفقهه في معاملاتنا..
أما محمد عبده فهو أسطورة عصره.. حتي أن البعض يعتبروه مجدد القرن التاسع عشر والبعض يعتبره مجدد القرن العشرين..
كلاهما دفع ضريبة مواقفه وآراؤه.. وكلاهما لقي في بدنه وعمله ورزقه عذابا شديدا.. ولم يكن علي أبي حنيفة أن يقبل القضاء.. أو حتي يقبل أن يرجع إليه القضاة فيما يلتبس عليهم.. لكنه رفض! رفض.. وليس سعي! رفض الجاه والمال.. ولم يتنازل عن مبادئ ويقدم خدمات ليحظي بالرضا من جهة تنفق وتقدم المال!
هذا ومثله من نقبل منه التجديد.. العقل والرشد والتدبر والاستيعاب وليس الحفظ والتلقين والترديد والنقل، الزهد وليس التكالب.. التواضع وليس التبجح.. الصدق وليس المنظرة!
رحم الله أبا حنيفة ومحمد عبده!