الكرد والكيان الصهيوني.. من البرزانيين إلى الأوجلانيين
محاولة لإزالة الالتباس (1)
إن الكرد هم أحد أركان منطقة الشرق الأوسط الأربعة مع العرب والترك والفرس الذين تبادلوا الأدوار الحضارية في مركز العالم القديم. وقد ظُلموا مرتين: الأولى ظلم مشترك مع شعوب المشرق بعدما تم تحطيمه خلافًا للسياق التاريخي العام منذ 5 آلاف عام رغمًا عن أبنائه..
والآخر عندما تم تمزيقهم بين سوريا والعراق وإيران وتركيا لأهداف خبيثة للاستعمار البريطاني الإمبريالي، تتمثل في إضعاف الكرد، وخلق صراعات لا تنتهي في البلدان الأربعة عبر زرع ألغام في قلب جغرافيات الشعوب والمنطقة، ألغام تتكاثر وتتكاثر معها الصراعات والعداءات بين المكونات المختلفة لتضمن القوى الاستعمارية الإمبريالية بقاء هيمنتها على المنطقة.
الرموز الكردية
إن العلاقات العربية الكردية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، ولقد أسهم الكرد بدور فاعل في التطور الحضاري للمنطقة، وفي هذا يمكننا رصد العديد من الرموز الكردية التي كانت لها إسهامات مهمة مثل إمام النحاة سيبَوَيه، ورب السيف والقلم محمود سامي البارودي، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والإمام محمد عبده أحد رواد النهضة والتجديد، وكذلك رائد حركة تحرير المرأة قاسم أمين..
والعلامة المحقق والأديب الكبير أحمد تيمور باشا، ورائدة الأدب النسوي شقيقته الشاعرة والأديبة الرائدة الإصلاحية عائشة التيمورية، والشيخ عبدالرحيم مصطفى صالح الدمرداش باشا الذي تخرج من الأزهروأصبح شيخ الطريقة الدمرداشية بعد والده صالح بك، وكان اقتصاديًا بارزًا، وأنشأ مستشفى الدمرداش والذي أصبح فيما بعد مستشفى جامعيًا لكلية طب عين شمس. وكان من المشتغلين بالحركة الوطنية المصرية وكان عضوًا في مجلس شورى القوانين المصري والجمعية العمومية المصرية.
فضلًا عن عائلة بدرخان والتي قدمت الكثير من الرواد في مجالات مختلفة وفي أكثر من دولة في جغرافيا منطقة الشرق الأوسط، نذكر منهم جلادت أمين عالي بدر خان (1893-1951) الذي ولد في مدينة إسطنبول التركية، وتلقى تعليمه في مدارس عدة في مدن مختلفة مثل عكا ونابلس وسالونيك اليونانية، شارك في الحرب العالمية الأولى كما التحق عام 1925 بثورة شيخ سعيد بيران، وعند إجهاض الثورة توجه إلى ألمانيا، حيث أكمل دراسته في الحقوق.
كان يدعو إلى الحفاظ على العادات والتقاليد الكردية، وجاءت اللغة الكردية في مقدمة اهتماماته، لأن الكرد منذ مئات السنين يفكرون ويتكلمون بغير لغتهم؛ لذلك بدأ بالتأليف لأن اللغة هي التي تجمع الشمل وتوحد الكرد، فوضع أساس ألف الباء الكردية، وكان يتقن ثماني لغات وهي العربية والتركية والفرنسية والفارسية والروسية والانجيلزية والألمانية واليونانية.
لم تنحصر خدماته بأبناء قوميته، بل خدم الأمة العربية أيضًا، ولم يدخر جهدًا في توطيد العلاقات وحسن الجوار بين العرب والكرد، فعرض على الثوار العرب في فلسطين خلال حرب 1936 مساعدتهم بالرجال والسلاح. وفي سنة 1948م اقترح على الحكومة السورية أن يؤلف فرقة من الكرد تعاون العرب على صد عدوان الجماعات الإرهابية الصهيونية.
وتمتد العائلة البدرخانية حتى تصل إلى أحد رواد السينما في مصر المخرج أحمد بدرخان ونجله علي بدرخان، وهناك الفنانان التشكيليان الرائدان الشقيقان سيف وأدهم وانلي، وآخرون من مجالات عدة ثقافية وفنية وفكرية وسياسية لا يتسع المجال لذكرهم.
وللموضوع ظلال سنتناولها بالتفاصيل إن كان في العمر بقية..