رحلة البحث عن دواء.. روشتة الأطباء لإصلاح سوق الأدوية.. الدكتور حازم العشماوى: ضبط منظومة الاستيراد ضرورة قصوى لإنقاذ حياة عدد كبير من المرضى.. والأمر لا يحتمل أى تأخير
البحث عن الدواء أمر أصبح فى منتهى الصعوبة فى هذه الفترة مع تفاقم أزمة نقص الدواء، والتى لم تحدث من قبل فى مصر.
كل المرضى يشكون حاليا من نقص الأدوية، من الأطفال إلى الكبار والسيدات والرجال وحتى الحوامل، وكذلك مرضى العمليات الجراحية، ولا يجدون بعض أنواع المضادات الحيوية المهمة والضرورية للمريض بعد إجراء أى جراحة ونفس الأمر ينطبق على مرضى الضغط والقلب والسكر وأيضًا أصحاب الأمراض النفسية ممن يحتاجون لأدوية الصرع والاكتئاب والذهان وأدوية علاج ألزهايمر.
محمد طفل يبلغ من العمر 3 سنوات أجرى عملية جراحية لاستئصال اللوزتين واللحمية، وبعد العملية وصف له الطبيب بعض أنواع المضادات الحيوية عبارة عن حقن وأدوية شراب لقتل أى عدوى أو بكتيريا تحدث نتيجة العملية، إلا أن الأدوية التى وصفها الطبيب لم تتوفر فى عدد كبير من الصيدليات بمحيط منطقة الجيزة، واضطر الأهل للعودة إلى الطبيب لوصف أى بدائل أخرى تكون متوفرة فى السوق.
وقالت أيضًا إحدى مريضات السكر وتدعى آيات عذب، إنها تبحث عن عدد من أدوية السكر منذ أشهر ولا تستطيع العثور عليه أو البدائل المصرية لها نهائيًا فى كل الصيدليات مما يتسبب فى ارتفاع السكر لديها بشكل كبير وعلى رأسها دواء “دياڤانس”.
بينما أكدت مريضة سكر أخرى أنها لا تستطيع العثور على أحد أنواع الإنسولين طويل المفعول والمعروف باسم “لانتوس”، والذى يستخدم لضبط السكر عند السيدات الحوامل، ودواء آخر يعد شكل سريع المفعول من الإنسولين، مؤكدة أنها تبحث فى العديد من الصيدليات عنه وعندما تجده يكون بأسعار مبالغ بها جدًا أو تطلب من الأشخاص القادمين من الخارج إحضار كمية لها.
وهناك أدوية كثيرة تستخدم للأطفال مهمة ولا غنى عنها فى علاج ارتفاع حرارة الجسم والالتهابات المتكررة للوزتين والأذن، وأيضًا العدوى الفيروسية والبكتيرية التى يتعرض لها للأطفال بداية من عمر يوم، منها أدوية البروفين وكافسيد وكونتافيفر غير المتوفرة منذ أشهر وحتى البدائل لها أيضًا بدأت تعانى عجزًا فى توفيرها.
أما الأطفال الذين يحتاجون إلى أدوية هرمون النمو والتى يصفها أطباء الغدد الصماء وأغلب أصنافها مستوردة من الخارج ناقصة منذ عدة أشهر وهى من الأصناف الحيوية التى يقتصر توزيعها على صيدليات الشركة المصرية لتجارة الأدوية نظرا لأنها تصرف بروشتة طبية ولها ضوابط فى الصرف ويشكو أهالى الأطفال من نقصها وتأثير عدم توفيرها على الأطفال خاصة أنها تستخدم على فترات طويلة لتعويض الجسم بهرمون النمو الذى يحتاج إليه.
ومن ضمن الأدوية التى تشهد نقصا فى السوق “سيناكالسيت” لعلاج فرط نشاط الغدة الدرقية وارتفاع نسبة الكالسيوم فى الجسم، غير متوفر، واحتاجت إليه نادية محمد مريضة بالغدة الدرقية وظلت تبحث فى صيدليات متعددة عنه ولم تجده.
ويروى عادل والد طفل عمره شهران معاناة شراء عبوة البان نظرا لأن طفله يحتاج لألبان صناعية، ولم يستطع الشراء من منافذ بيع الألبان التابعة لوزارة الصحة بسبب شروط الصرف التى لم تنطبق عليه فاضطر للشراء من الصيدليات للأنواع المستوردة بسعر 350 و400 جنيها للعبوة 400 جرام، وإذا وجد عبوة تكفى الطفل عدة أيام لا يجد كميات من الألبان تشبع الطفل ويضطر البحث عنها فى السوق السوداء.
وتشمل الأدوية الناقصة “إبيكوسيللين 500 مجم” حقن مضاد حيوى تستخدم لعلاج حالات التهاب الشعب الهوائية وأيضًا غير متوفرة فى السوق.
وهناك أيضًا أزمة فى الأدوية التى تعالج تضخم البروستاتا، لأنها غير متوفرة فى الصيدليات، وكذلك فى صيدليات التأمين الصحى للمرضى.
كما يشهد سوق الدواء نقصا حادًا فى أدوية علاج مرضى الضغط والسكر والقلب وأدوية تنظيم ضربات القلب.
وضمن أشهر الأصناف التى لم تعد متاحة فى السوق: ميكستارد إنسولين لمرضى السكر، فوار يوروسولفين لحالات النقرس وزيادة الاملاح، مينالكس ملين لعلاج الإمساك بأنواعه، دواء أورسوفالك لعلاج حصوات المرارة، ستربتوكين وأنتينال لعلاج الإسهال وأدوية بريدسول مضاد لالتهابات الجهاز التنفسى للأطفال، وغيرها من مئات الأصناف التى يئن المريض بحثا عنها.
يواجه الأطباء البشريون أزمة ليست سهلة بالمرة فى وصف الأدوية المناسبة للمرضى فى ظل تناقص مخيف بأصناف الدواء، إذ كلما وصف الطبيب للمريض علاجا مناسبا يعود إليه مرة أخرى ليطلب منه البديل بسبب عدم توفره، والنواقص ليست فى تخصص واحد فقط بل كل التخصصات الطبية.. والسؤال: كيف يتعامل الأطباء مع أزمة نقص الدواء؟ وكيف يعالجون المرضى فى ظل زيادة نواقص الأدوية؟
قالت الدكتورة نهال حمدى السعيد، أستاذ الباطنة والغدد الصماء والسكر، إنه يوجد نقص كبير فى الأدوية حاليًا بالأخص فى أدوية علاج الضغط والسكر ويحاول الأطباء وصف البديل المصرى ولكن حتى المحلى لايتوفر منه عدد كبير من الأصناف مثل أدوية الغدة الدرقية.
وأضافت لـ«فيتو»: بالنسبة للأسعار فالبديل المصرى سعره أقل كثيرًا، بكفاءة جيدة قد تصل إلى 100% وبينما لا تقل كفاءة بعض البدائل خاصة إذا كان المريض يحتاج نفس جودة وكفاءة المستورد.
وأضافت أن النقص فى كفاءة الدواء يسبب زيارات متعددة للمريض إلى العيادة لكى يحاول الطبيب ضبط الجرعة المناسب لحالة المريض أو تغيير الدواء ككل.
وأوضحت أنه فى حالة علاج أمراض الغدة الدرقية يزور المريض العيادة بعد شهر من وصف البديل المصرى ويقوم بعمل تحاليل لتحديد إذا كان مناسب أم يجب التغيير وكذلك علاج مرض السكر بعد أسبوعين بينما يكون مريض الضغط فى متابعات دورية لقياس انخفاضه وارتفاعه وتأثير الدواء البديل على حالة المريض.
وأكدت أن هذه الزيادات المتكررة للعيادات لضبط جرعة الدواء مع الحالة تمثل عبئًا ماديا على المرضى، بالإضافة إلى الارتفاعات التى شهدتها أسعار الأدوية والتى وصلت إلى 10% مقارنة بنفس التوقيت من السنة الماضية، ويضاف إلى ذلك أيضًا تكلفة الكشف مضاعفة.
وأضافت أن أدوية علاج أمراض السكر والغدة لم تشهد ارتفاعا فى الأسعار كغيرها، ولكن توفرها هى المشكلة التى تواجه المرضى والأطباء على حدة سواء.
وأكدت أن الأدوية التى تشهد تناقصًا فى السوق حاليًا هى تلك الخاصة بالغدة الدرقية وبعض أدوية الضغط وعدد كبير من أدوية السكر ومنها واحد من أشهر أدوية السكرى الذى يحتوى على المادة الفعالة “الميتفورمين” والذى يقلل من كمية الجلوكوز التى يتم امتصاصها من الطعام، ويقلل من كمية الجلوكوز التى يتم تصنيعها فى الكبد، ويزيد من حساسية الخلايا للإنسولين مما يجعله حيويًا لبعض مرضى السكر.
بينما قال الدكتور حازم العشماوى أستاذ السكر والغدد الصماء بكلية الطب جامعة الزقازيق، إن المشكلة الكبرى والتى تعد كارثة حقيقية هو نقص الإنسولين الذى يعد سبيل الحياة للعديد من المرضى والأطفال المصابين بالسكرى 1 و2.
وأضاف: يوجد نقص حقيقى وملموس لعدد كبير من الأدوية فى السوق، إلا أن معظمها يوجد له بدائل مصرية حتى وإن لم تكن بنفس الكفاءة من حيث المادة الفعالة، ولكن الإنسولين لا يستطيع المرضى الحياة بدونه، مؤكدًا أن ما يشهده السوق حاليًا لا يتحمل أى تأخير فى العثور على الحلول السريعة والفعالة لإمداد هؤلاء المواطنين بسبيل النجاة الوحيد لهم مشيرا إلى أن الإنسولين يعد من الأدوية الاستراتيجية التى لا يجب التهاون أو التقاعس عند الشعور بنفاذها من الصيدليات ويجب العمل على سرعة توفيره.
وأوضح أن مرضى السكرى حاليًا يبحثون فى الصيدليات المختلفة عن الإنسولين حتى يعثروا على بواقى الدواء، مضيفا أن هذه “البواقي” سوف تنفد كذلك فى القريب العاجل، حيث تملك كل صيدلية أمبولا أو اثنين من الإنسولين، متسائلًا: ماذا بعد؟
وشدد الدكتور حازم على ضرورة الاستيراد العاجل للإنسولين وحل الأزمة التى يعانى منها مرضى السكرى، مؤكدًا أنه لا يوجد حلول أمام المرضى والأطباء لحظة نفاذ الإنسولين من الصيدليات والحل المتوفر الآن التواصل مع معارفهم بالخارج لإرسال كمية من الإنسولين تكفى المرضى بضعة شهور إضافية.
وأضاف: حتى الإنسولين الذى يطلق عليه إنسولين «الشعب» غير متوفر فى الأسواق، كما أن بعض أدوية الغدة الدرقية والهرمونات غير متوفرة وعددًا من أدوية القلب والتى تسبب مشكلة كبيرة.
واستكمل: أوضح مثال على البدائل التى يمكن القول عنها أنها “بتمشى الدنيا” هو الدواء الخاص بتنظيم ضربات القلب، المتوفر فى السوق حاليًا من الأجيال القديمة للأدوية تؤدى الغرض، ولكنها ليست بنفس كفاءة الأدوية الحديثة، ونفس الأمر لأدوية السيولة، حيث يحتاج المريض إلى تحليل بالمعمل كل بضعة أيام لمتابعة تحليل السيولة والذى يشكل عبئا على المرضى، ولكنه مقبول حتى يتوفر الحل.
وأكد أن النقص الواضح فى الأدوية يؤدى إلى رفع الأسعار، واستكمل: إذ احتاجت الشركات رفع الأسعار بنسبة معقولة مقابل توفر الدواء فى السوق خاصة الإنسولين فهو أمر مقبول وأفضل من اختفاء الأدوية وشحها فى الأسواق.
فى نفس السياق، قالت أستاذة بكلية الطب –رفضت ذكر اسمها - أن معظم الأدوية بما يصل إلى 75% فى مختلف المجالات الطبية أصبحت غير متوفرة فى الأسواق، مضيفة أن بعض الشركات المصرية حاليًا تنتج بالفعل بدائل الاستيراد المصرية، ولكن لا تقوم بطرحها فى الأسواق المحلية، وإنما تصدرها للخارج للبيع هناك بأسعار أغلى لتجنب الخسارة وفى بعض الأحيان الإغلاق.
واستكملت: ارتفاع سعر الدواء، لا يناسب قيمة التضخم وما يكفى تكاليف التصنيع والعمالة، مؤكدة أن أغلى دواء مستورد ارتفع بنسبة 50% بعد أن كان بـ350 أصبح بـ 400 على الأكثر.
وأكدت أن الأدوية التى تستخدمها تضطر إلى شرائها من دول أخرى عربية محيطة بنا بأضعاف السعر، وتكون العبوة سعرها بمصر بـ30 جنيها لتحصل عليها من الخارج بسعر يصل إلى 200 جنيه أو أكثر للعبوة الواحدة.
وأوضحت أنه يوجد عدد من أدوية السكر، ولكن الشركة المنتجة لها توقفت عن العمل فى مصر، وكذلك أحد أدوية علاج نشاط الغدة الدرقية التى يتوفر له بديل مصرى، ولكن فاعليته أقل، وأضافت: المستورد سعر العبوة وصل إلى 800 جنيه تكفى المريض20 يوم فقط، بالإضافة إلى دواء كسل الغدة الدرقية الذى كان الأطباء يعتمدون عليه تمامًا، أصبحت غير موجود والبدائل المصرية يشتكى منها المرضى لعدم فاعليتها.
وأوضحت أن أشهر أدوية الاكتئاب والمضادة للتوتر والتى تعد من الأدوية البسيطة جدًا وقليلة الثمن ولكنها تؤثر على مرضى الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط لم تعد متوفرة وتتسبب فى تدهور حالتهم.
وأكدت أن أحد أسباب النقص التى يشهدها السوق المصرى الارتفاع الشديد فى أسعار المواد الخام التى تستخدم فى تصنيع الأدوية، ومن المستحيل رفع أسعار الدواء بنسب تعادل زيادة أسعار المواد الخام لافتة إلى أن بعض الأدوية زادت أسعارها فى الخارج أكثر من 7 مرات.
وأوضحت أن العديد من الشركات سحبت أعمالها من مصر، بينما تمسكت بعض الشركات الأخرى، حتى وإن عاد عليها بالخسارة حتى لا يخسروا سوقا كبيرا كالسوق المصرى، كما لا يوجد حاليًا شركة تنتج دواء هشاشة عظام فى مصر، والمتاح مستورد فقط ويتم تهريبه بأسعار مهولة لا يتحملها المريض، مطالبة بضرورة التدخل لإصلاح هذه المشكلات فى سوق الأدوية.