المسيح قام.. بالموت داس الموت
"المسيح قام من بين الأموات بالموت داس الموت والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية" هذه الأنشودة التي ترتلها الكنيسة على مدى خمسون يومًا إحتفالًا بقيامة الرب يسوع وإنتصاره لحسابنا على الموت، والروح القدس في الوحي الإلهي أعلن هذه النصرة في مواضع كثيرة، ومن ضمنها قصة دانيال النبي والتنين التي تُقرأ في ليلة أبوكالبسيس، ومذكورة فى آخر سفر دانيال بحسب الترجمة السبعينية والقبطية واللاتينية..
ونصها كالآتي: "وكان في بابل تنين عظيم وكان أهلها يعبدونه. فقال الملك لدانيال: أتقول عن هذا أيضًا إنه نحاس؟ ها إنه حيُ يأكل ويشرب ولا تستطيع أن تقول إنه ليس إلهًا حيًا. فاسجد له. فقال دانيال: إني إنما أسجد للرب إلهي لأنه هو الإله الحي. وأنت أيها الملك أجعل لى سلطانًا فأقتل التنين بلا سيف ولا عصًا.
فقال لى الملك: قد جعلت لك، فأخذ دانيال زفتًا وشحمًا وشعرًا وطبخها معًا وصنع أقرصًا وجعلها في فم التنين، فأكلها التنين فإنشق. (سبعينية دانيال 12: 23-27)"
هذه القصة تُقرأ في سهرة ليلة سبت الفرح إذ أن لها نماذجية خلاصية لما صنعه الرب يسوع بقوته في الموت، إذ أن التنين الذي فى قصة دانيال يشير إلى الموت الذي بسبب الخوف منه كانت البشرية كلها تحت عبودية الخطية، "ويعتق أولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية" (عب2: 15)..
لذلك لكي يعتق الله الكلمة (اللوغوس) البشرية من الموت ومن العبودية، تجسد في شبه جسد الخطيئة بدون خطيئة وحده "فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد" (رو 8: 3).. وهذا ما يشير إليه الزفت والشحم والشعر إذ يشيرون إلي التجسد في طبيعة بشرية كاملة وعندما طبخها دانيال على النار يشير أن المتجسد إله بالطبيعة إتخذ جسدًا بشريًا إذ أن نار الطبخ إشارة إلي نار اللاهوت..
فالمسيح يسوع لاهوتًا وناسوتًا متحدين معًا في إقنوٍم واحدٍ بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير، ثم صنع دانيال منها أقراصًا وكلمة أقراصًا تذكرنا بخبز التقدمة الذي كان يُقدم على مائدة خبز الوجوه وتشير إلى تقديم الرب يسوع ذاته عنا فداءً من الموت وحياة أبدية في الإفخاريستيا، وهنا نأتي إلى قوة النبوة عندما أُطعم التنين الأقراص إنشق في الحال ومات، وهذا بالضبط ما صنعه الرب يسوع بموته على الصليب إذ عندما أحنى رأسه للموت وإقترب ليبتلعه إنشق جوف الموت ومات وإنتهى سلطانه على البشر..
وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي في كتابه تجسد الكلمة "لذلك قدَّم للموت ذلك الجسد الذى أتخذه لنفسه كتقدمة مقدسة وذبيحة خالية من كل عيب. وببذله لهذا الجسد كتقدمة مناسبة، فإنه رفع الموت فورًا عن جميع نظرائه البشر" (تجسد الكلمة 9: 1)
كما يؤكد أن تجسد الله الكلمة كان مهمًا ليقدم جسده ذبيحة عن البشر جميعًا وبموته كذبيحة يبيد الموت وإبليس الذي له سلطان الموت فيقول: "وأيضًا أشار الرسول إلى أن الكلمة بذاته اتخذ لنفسه جسدًا ليقدمه ذبيحة عن الأجساد المماثلة قائلًا: فإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم اشترك هو أيضًا فيهما لكي يبيد بالموت ذلك الذي له سلطان الموت أي إبليس ويعتق أولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية" (تجسد الكلمة 10: 4).
وأختم رسالتي في هذا العيد بما كتبه القديس كيرلس الكبير فى رسالته الفصحية الثالثة والعشرون التي أرسلها عام 435م:
من أجل هذا ولكل هذه الأسباب، "هلم نرنم للرب نهتف لصخرة خلاصنا" كما قلت فى البداية، ونحتفل بالعيد إكرامًا له. لكن قد يسأل سائل، أخبرني كيف نتكلم عن الآلام والصلب والموت بالجسد على أنها عيد يُحتفل به؟
يا سيدي العزيز، هذا هو ردَّي عليك: لو أنه ظل فعلًا بين الأموات بعد أن ترك جسده يذوق الموت، لما كان يليق بأي أحد الإحتفال لكن إن كان صحيحًا أنه حتى رغم أنه قبل الآلام بإرادته من دون إضطرار، وأسلم ذاته ليد المتآمرين ضده، إلا أنه ذاق "بنعمة الله الموت لأجل كل واحد" كما قال القديس خادم أسراره، لكي يطأ الموت بقيامته من بين الأموات، وبهذه الطريقة وهب عدم الفساد للطبيعة البشرية، بعد أن صار "بكرًا من الأموات"، "وباكورة الراقدين"..
وهذا لا يمكن إلا أن يكون نبع كل فرح وخير لنا. نحن الذين كنا ممسكين في أشراك الموت بسبب الخطية التي سادت علينا، صرنا نترجى الأبدية بفضل البكر من الأموات الذي هو من طبيعتنا من جهة الجسد.. هذا الذي نفرح ونبتهج بقيامته المقدسة ونصرخ بإبتهاج المسيح قام.. حقًا قام.