الاستثمار في صحة البشر!
منذ أسابيع تساءلت في هذا المكان: ما معنى أن يصدر وزير الصحة قرارًا بتحديد نسبة العلاج المجاني بنسبة 25% في المستشفيات الحكومية.. مع منح المستشفيات ومراكز الخدمات العلاجية الحق في تقاضى أجور اقتصادية نظير خدماتها الطبية مع تخصيص نسبة لا تقل عن 25 من عدد الأسرة بالأقسام الداخلية للعلاج المجانى..
على أن تكون أولوية استحقاق العلاج المجاني للمواطنين الحاصلين على معاش تكافل وكرامة، أو حاملي بطاقات الخدمات المتكاملة، أو أسر الشهداء والضحايا والمفقودين ومصابي العمليات الحربية والارهابية والأمنية وأسرهم، أو بناء على توصية لجنة البحث الاجتماعي بالمستشفى، ممن لا يتمتعون بنظام تأمين صحى أو رعاية صحية، بالإضافة إلى حالات الطوارئ!
ولم نتلق إجابة لا من وزير الصحة ولا من مساعديه ولا متحدثه الرسمي عن السؤال الأهم: هل نسبة من يحتاجون العلاج المجانى تقف عند حدود 25% من المواطنين.. وأين يذهب الباقون وهم كثر نتيجة الظروف الاقتصادية الطاحنة؟!
وهل استند وزير الصحة إلى دراسة علمية حديثة تقيس معدلات الفقر الحقيقية في مصر قبل تحديد نسبة المستحقين للعلاج المجاني على نفقة الدولة، إذا استثنينا طائفة مشمولة بمظلة التأمين الصحي الشامل.. وهل ما يتم إنفاقه فعليًا على صحة المواطن يتوافق مع استحقاقات دستورية ألزمت الدولة بتخصيص ما لا يقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى للصحة تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمي؟!
تسعير الخدمات الصحية
وزير الصحة خرج علينا أمس من الشقيقة قطر ليحدثنا عن تسعير الخدمات الصحية وضرورة جذب الاستثمارات الخاصة لقطاع الصحة، مؤكدا ضرورة توفير رعاية صحية جيدة وبأسعار معقولة لجميع المواطنين بحسبانها حقا أساسيا لهم.. ولست أدرى كيف يمكن المواءمة بين كونها حقا أساسيا لكن بمقابل مادى؟!
بل ذهب الوزير لأبعد من ذلك حين رفع سقف الطموح إلى تطوير خدمات ومرافق الرعاية الصحية المصممة خصيصا لاحتياجات المرضى الدوليين لترويج مصر كوجهة للسياحة الطبية..
وبالمناسبة ليس لدى تحفظ ولا إعتراض على تعظيم موارد الدولة من التوسع في السياحة العلاجية لكن بالتوازي مع تمكين المواطن الغلبان من حقه في الرعاية الطبية والعلاج الذي يتناسب وظروفه المعيشية!
صحيح أن التركيب الديموغرافي للمجتمع المصري يوفر فرصا كبيرة لجذب الاستثمارات وخصوصا الأجنبية لقطاع الصحة، لكن الحق في الصحة للمواطن أولا هو ما ينبغي أن تتحقق الوزارة من تحققه ومراعاة الحالة المادية للسواد الأعظم من المواطنين، لاسيما في الريف والمناطق النائية والأكثر احتياجا، مع الوفاء بإلتزام الحكومة -طويل الأمد كما قال الوزير- بتحقيق التغطية الصحية الشاملة للمواطنين، لكن دون أعباء إضافية ترهق كاهلهم.
لاشك أن هناك تحديات ديموغرافية يفرضها عدد سكان مصر الذي يزيد على 100 مليون نسمة، وأن الحكومة بذلت جهودًا وإصلاحات شاملة لتعزيز نظام الرعاية الصحية وتوسيع نطاق الوصول لخدماتها عبر مبادرة أساسية تتمثل في نظام التأمين الصحي الشامل، المصمم لتوفير التغطية الصحية لجميع المواطنين المصريين بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي، وهو ما نرجو أن تتوسع فيه الحكومة وتسارع الخطى ليشمل كل محافظات الجمهورية قاطبة لتكتمل أهداف التنمية المستدامة بمواصفات ومعايير دولية.
نرجو لو تبذل الحكومة جهودًا أكبر لتوفير العلاج المجاني لمن يحتاجونه وأن تعود المستشفيات والوحدات الصحية بالقرى لما كانت عليه زمان، من جودة واهتمام برعاية المرضى وأن توفر الأطباء الأكفاء في تخصصات مختلفة، وتوفر التمريض المطلوب خصوصًا في الريف ليشعرالمواطن بالأمان الصحى.. صدقونى بوصلة المواطن لا تخطيء، المهم أن نصل إليها دون رتوش!