غزوة 5 شوال.. جر إيران إلى حرب دموية يقلص الضغوط على حكومة نتنياهو.. ويستعيد التعاطف الغربى مع تل أبيب
حبست منطقة الشرق الأوسط أنفاسها مع بداية الساعات الأولى لفجر الأحد الماضى؛ بعدما أطلقت إيران وابلا من الطائرات المسيرة تجاه الاحتلال الاسرائيلى؛ كبداية رد على انتهاكات تل أبيب ضد طهران وتعمدها استفزاز الجمهورية الإسلامية وجرها لمواجهة مباشرة من خلال تنفيذ عديد من عمليات الاغتيال لقادة الحرس الثورى وفيلق القدس، والتى كانت آخرها من خلال استهداف قنصلية طهران فى دمشق. ومنذ أحداث طوفان الأقصى تلتزم إيران سياسة الصبر الاستراتيجى وتكتفى بالرد عبر أذرعها المنتشرة فى عدد من الدول العربية مثل الحوثيين فى اليمن وحزب الله فى لبنان والمقاومة الإسلامية فى العراق. وأخيرا، أعلنت الجمهورية الإسلامية المواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني؛ صحيح أن الرد الانتقامى لم يلبِ التطلعات أو يتناسب مع حجم البيانات والتصريحات الساخنة، لكنه رغم رمزيته من الصعب التقليل من شأنه ودلالة توقيته الذى تزامن مع ذكرى غزوة الخندق فى الخامس من شوال. وهنا يقول خبراء فى الشأن الإيراني؛ إن التعامل مع ليلة المسيرات بسخرية يعكس عدم إدراك حجم ما حدث، هو كسر لكل خطوط التماس الإستراتيجى وتحول كبير فى مستقبل الصراع مع إسرائيل؛ هذه الليلة تعتبر أول إعلان من دولة فى الشرق الأوسط عن استهداف رسمى لأراضى إسرائيل فى تاريخها منذ 1948.
كما تؤكد انتقال الصراع من الجماعات المسلحة أو كما تسمى الوكلاء إلى الدول رسميا، ومن الإعلام إلى الميدان، ومن الجغرافيا العربية إلى داخل القدس المحتلة وحيفا ويافا وديمونة، وهو المثلث الاستراتيجى الإسرائيلى الذى يعد الأكثر تحصينا، لدرجة وصف وسائل الإعلام الأمريكية تلك العملية بأنها أكبر عملية إطلاق طائرات مسيرة فى التاريخ. فهل نجحت إسرائيل فى جر الجمهورية الإسلامية إلى ميدان القتال لتخفيف الضغوطات الخارجية التى تتعرض لها؟ وما هو مستقبل المواجهة الشاملة بعد مناوشات السماء.. فيتو طرحت السؤال أيضا على الخبراء فى الشأن، وكانت هذه رؤيتهم..
خفايا صراع القرن فى الشرق الأوسط
الهجوم الإيرانى على إسرائيل فجر الأحد الماضى لم يكن وليد اللحظة الراهنة حيث تعمدت إسرائيل استفزاز إيران وجرها إلى حرب مفتوحة، من خلال تنفيذ أكثر من عملية اغتيال ضد قيادات فى الحرس الثورى، داخل وخارج طهران، ومن خلال تنفيذ عمليات تخريبية استهدفت بنى تحتية ومنشآت فى الخارج، إذ لم تتوان إسرائيل عن مهاجمة إيران بأكثر من طريقة وفى أوقات مختلفة، الأمر الذى ينذر باندلاع صراع دموى مباشر بين البلدين وقد يتسبب فى إشعال منطقة الشرق الأوسط بالكامل.
كواليس ما يحدث يعود إلى الخسائر الكبيرة التى تكبدها جيش الاحتلال الإسرائيلى فى الحرب داخل قطاع غزة، والتى تسببت فى مقتل مئات الجنود والضباط وتدمير مئات الآليات العسكرية، ومن هنا بدأ نتنياهو يبحث عن حرب بديلة لصرف الأنظار بعيدا عن الكوارث التى ارتكبها جيشه فى قطاع غزة، والتى تسببت فى إثارة الرأى العام العالمى ضد دولة الاحتلال.
وفى ظل الضغوط الداخلية والخارجية التى تتعرض لها حكومة الاحتلال الإسرائيلى، فأصبحت حكومة منبوذة عالميا ومحليا، بدأ نتنياهو ينقل الصراع والمشهد بعيدا عن قطاع غزة ليفتح جبهة جديدة مع إيران وأذرعها فى المنطقة خاصة حزب الله اللبنانى، الذى أصبحت المواجهة بينه وبين تل أبيب وشيكة.
وتسعى إسرائيل لكسب الدعم العالمى من جديد بعد الانتقادات الحادة التى تعرضت لها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، بسبب المجازر التى ارتكبتها فى غزة ورفض إدخال المساعدات الإنسانية ووقف الحرب.
وكانت العملية الأخيرة التى نفذتها إسرائيل ضد القنصلية الإيرانية فى دمشق، والتى أسفرت عن مقتل عدد من قيادات الحرس الثورى هى آخر عملية تم تنفيذها حتى الآن فى المخطط الإسرائيلى لجر إيران لحرب شاملة تكون فيها تل أبيب طرفا إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وهو ما ردت عليه إيران بالفعل بهجوم المسيرات والصواريخ.
وكشفت تقارير إعلامية أن إسرائيل من الممكن أن تستغل هذه الأحداث المتوترة فى المنطقة وتوجيه ضربة استباقية لبرنامج طهران النووى بدعم من حلفائها الغرب، الأمر الذى يصرف أنظار العالم عن المجازر التى ارتكبتها تل أبيب فى قطاع غزة.
وتأتي تلك التحركات بالتزامن مع الاتفاق الدولى والتوافق العالمى على ضرورة حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة العضوية فى الأمم المتحدة، وذلك بعدما أعربت أمريكا وأوروبا موافقتهما على ذلك، لذلك تسعى إسرائيل لعرقلة تلك الخطوات من خلال تشبيك المشهد فى الشرق الأوسط وإغلاق أي باب للتفاوض.
وفى هذا السياق قال الدكتور عبد المنعم سعيد، رئيس المجلس الاستشارى للمركز المصرى للدراسات الاستراتيجية، عضو مجلس الشيوخ، إن الحرب بين إيران وإسرائيل بدأت بالفعل منذ فترة طويلة، ولكنها بطريقة غير مباشرة.
وتتبنى إيران استراتيجية الدفاع المتقدم فى حربها ضد إسرائيل، وذلك من خلال تجنب المواجهة المباشرة، والاعتماد على عدد من المليشيات المتواجدة فى 4 دول عربية سواء اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان فى شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وتكون هى بعيدا عن الحرب المباشرة.
وأنشأت إيران على مدى السنوات الماضية بعد الثورة الإسلامية العديد من المليشيات المسلحة مثل حزب الله اللبنانى وحزب والمليشيات العراقية والحوثيين، وهذه المليشيات تولى إنشاءها وتدريبها وتمويلها الحرس الثورى، بدون أي تدخل من الجيش الإيرانى، وهى تنفذ إملاءات طهران، الأمر الذى يجعل الدول العربية عرضة للدخول فى حرب مباشرة مع إسرائيل بسبب هذه المليشيات، وكل ذلك يصب فى صالح طهران.
والدعم الأمريكى لإسرائيل لم يتراجع ولم يتغير، وليس هناك أي تغير فى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية إزاء تل أبيب، ولكن هناك خلافات شخصية بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو بسبب الطريقة أو السياسة التى تنتهجها الأخيرة فى الحرب على قطاع غزة، وهو ما تسبب فى إحراج كبير بالنسبة لواشنطن أمام المجتمع الدولى.
وتخشى أمريكا من تضرر علاقتها مع الدول العربية والإسلامية، خاصة فى ظل الصراع على النفوذ الذى تخوضه مع الصين وروسيا خاصة بالنسبة لعلاقتها مع الدول الإسلامية فى شرق وجنوب آسيا مثل ماليزيا، وإندونيسيا الذين أعربوا عن قلقهم بسبب العدوان الإسرائيلى على غزة والدعم الأمريكى المقدم له.
وتحتاج الولايات المتحدة الأمريكية لأن تكون علاقتها جيدة مع الدول العربية والإسلامية، للحفاظ على مصالحها فى الشرق الأوسط وشرق آسيا، لذلك فهى تضغط على حكومة نتنياهو لخفض النزاع فى غزة، وهو السبب وراء الخلاف بين البلدين، ولكن السياسة بينهما ثابتة.
ومنذ فترة طويلة وتنفذ إسرائيل ضربات جوية استباقية ضد إيران فى المنطقة، سواء فى الداخل أو الخارج، وهناك عمليات عدة نفذها جيش الاحتلال استهدف فيها قادة فى الحرس الثورى الإيرانى، أغلبها فى سوريا أو حتى عمليات تخريب داخلية ضد بنية تحتية فى إيران.
وإسرائيل لديها الرغبة فى دخول حرب مع حزب الله وتحويل بيروت إلى غزة، ولكن الضغوط الدولية منعتها من ذلك، خوفا من اتساع دائرة الصراع لتتحول إلى حرب إقليمية تؤثر على المصالح الاقتصادية فى الشرق الأوسط.
وإسرائيل تحاول منع تواجد أي دولة نووية فى المنطقة، إذ تسعى لضرب البرنامج النووى الإيرانى، وذلك من خلال جرها لحرب مباشرة تهدف فيها إلى تدمير برنامج طهران لتخصيب اليورانيوم، ولكن العاصمة الإيرانية تتجنب الحرب المباشرة وتستخدم أذرعها فى ضرب أهداف عالمية تشكل تهديد للدول الغربية ومصالحها واقتصادها بشكل كبير فى المنطقة، فهو يدفعها للضغط على إسرائيل لتجنب تلك الحرب.
وتمتلك إيران صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى إسرائيل وضرب أهداف فى البحر الأحمر أو الخليج العربى، الأمر الذى سيعوق حركة التجارة فى المنطقة التى تعتبر الشريان الرئيسى للبترول فى العالم.
واختتم الدكتور عبد المنعم سعيد مؤكدا أن المناوشات بين إيران وأذرعها من ناحية وإسرائيل من الناحية الأخرى جزء من الحرب التى بدأت فى الـ7 من أكتوبر الماضى.
وفى السياق ذاته قال الباحث السياسى، محمد الجزار، إن الضربة الإسرائيلية ضد القنصلية الإيرانية فى دمشق زادت حالة التوتر والقلق الدولى والإقليمى الذى تعيشه المنطقة المضطربة على خلفية العدوان الصهيونى على قطاع غزة، خاصة بعدما تعهدت إيران بمحاسبة المعتدين على قنصليتها فى دمشق.
ولعل هذه الضربة الإسرائيلية التى أسفرت عن سقوط محمد رضا زاهدى قائد فيلق القدس فى سوريا ولبنان أحد الشخصيات القوية فى الحرس الثورى تشير إلى رغبة إسرائيل فى جر إيران إلى حرب مباشرة معها خاصة بعد اتهام تل أبيب لطهران أنها من خططت لعملية طوفان الأقصى.
واتهمت إسرائيل إيران بأنها المسئولة عن دعم حماس حتى الآن، من خلال إمدادها بالأسلحة والمعلومات العسكرية، والتى تكبد إسرائيل خسارة عسكرية كبيرة، فضلا عن قيام طهران باستخدام أذرعها فى المنطقة فى تضييق الخناق على إسرائيل وخاصة فى العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث شكلت ضربات الحوثيين فى اليمن الموالين لإيران خطرا كبيرا على مصالح إسرائيل فى المنطقة، بل مصالح حلفائها الذين تضرروا من استهداف الحوثيين للسفن التابعة لهم، ولهذا فإن إسرائيل تريد جر إيران إلى حرب مباشرة من خلال استهداف وكلائها فى المنطقة.
غير أن النظام الإيرانى يعلم مخططات إسرائيل، ومن المستبعد فى الوقت الحالى أن ينجر للدخول فى حرب مباشرة مع إسرائيل نظرا للأزمات الداخلية التى يعيشها فضلا عن الضغوط الدولية الخارجية، لكن فى ذات الوقت يمكن أن ترد إيران على تلك الضربات ببعض العمليات النوعية ضد مصالح إسرائيل وحلفائها مثلما فعلت طهران عندما استهدفت الولايات المتحدة لقاسم سليمانى فى العراق رغم الحرب الدعائية التى شنتها حينها لكنها تدرك خطورة الدخول فى حرب مباشرة مع تل أبيب أو واشنطن أو القوى الغربية المناوئة لها.
وبجانب ذلك فإن الضربة الإسرائيلية للقنصلية الإيرانية فى دمشق تهدف إلى صرف أنظار العالم والمجتمع الدولى عن المجازر المستمرة التى تقوم بها إسرائيل تجاه المدنيين العزل فى غزة بعدما فضحت إعلاميا وتعالت الأصوات المدنية لإسرائيل بعد المشاهد التى يندى لها جبين الإنسانية التى جعلت الحكومات الغربية تتراجع جزئيا عن دعمها لإسرائيل.
وهو ما جعل حكومة الكيان الصهيونى تفكر فى تصعيد الخلاف مع إيران من أجل استعادة الدعم الغربى.