هل كان بن لادن إرهابيا حقا؟
قبيل حادث 11 سبتمبر من العام 2001م كنت ضمن وفد من زملاء صحفيين وآخرين من الإذاعة المصرية والتليفزيون المصري ضمن برنامج الزائر الدولى، وعندما زرنا مبنى وزارة الدفاع الامريكية قالوا لنا إن هذا المبنى محصن ضد كل خطر، محصن حتى ضد أن تطير فوقه العصافير!
ومضت شهور قليلة على الزيارة وأتذكر أني كنت مع الأسرة نقضي أياما بفندق شيراتون المنتزة بالإسكندرية، عندما أدرت مؤشر التلفاز بالصدفة لتقع عينى على مشاهد تصورتها في البداية لفيلم أمريكي من نوع الأكشن، وعندما تبين لي أن الأمر جد وأن أمريكا الإمبراطورية العظمى ضربت في مقتل، لملمت أشيائي، وغادرت الفندق وعدت إلى مكتبي على الفور في نفس اليوم.
وكان أسامة بن لادن هو بطل الحكاية كما رواها الأمريكان، ودارت وسائل الإعلام في فلك الرجل الغامض الذي ذهب ليقاتل الروس في أفغانستان، وكانت الصحافة الأمريكية بكل ألوانها وأطيافها تصفه بالمجاهد الفذ وكانت قصص المجاهدين والملائكة الذين يقاتلون معهم تملأ صفحات الصحف الأمريكية والغربية!
فجأة أصبح المجاهد هو الإرهابي رقم واحد على قائمة المطلوبين أمريكيا وغربيا، وبدأت فصول مأساة أفغانستان التي ضربت بصنوف من الأسلحة لم تر البشرية مثيلا لها، ودخلت القوات الأمريكية إلى كابول بحثا عن الإرهابي الذي أذل أمريكا، وظلت قوات العم سام في مستنقع البلد البدائي لسنوات حتى خرجت منها أكثر ذلا ولم ينجحوا في القبض على بن لادن.
وكما هي العادة جرت وسائل الإعلام العربية وراء السردية الأمريكية، وصدقت أن المجاهد الذي أشرفت على تمويله أنظمة دولية بدعم أمريكي في قتاله ضد الروس أصبح هو الإرهابي رقم واحد، وتحول اسم بن لادن إلى رمز للشر الإنساني الذي لم يتكرر.
وبدأ بن لادن في إطلالات مسجلة بالصوت والصورة تزعج البيت الأبيض، وتزعج كل أجهزة المخابرات الغربية، وشهدت مطارات العالم واحدة من أقسى حالات العنصرية ضد كل ما هو عربي وكل ماهو مسلم، ولم تكن الأنظمة العربية بمن فيها من دعموا بن لادن لصالح الأمريكان أبعد في موقفها من موقف الإدارة الأمريكية، ورضخت لكل مطالب واشنطن سواء بالدعم المخابراتي أو المادي لأمريكا في حربها ضد ما أسموه إرهاب بن لادن.
وتبنى بن لادن في رسائله المسربة من مخبئه رواية الحرب ضد قوى الشر وفي القلب منها أمريكا والكيان المحتل في فلسطين، واستطاع أن يجتذب إليه شبابا ذهبوا إلى حيث أراد ودارت مطابع الكتب دورتها لتصدر الكتب عن بن لادن وعن زوجاته وعن أولاده وعن رجاله في تورا بورا، وامتلأت صفحات الكتب بالأساطير عنه وعن طالبان.
قتل منذ سنوات قليلة أسامة بن لادن حسب رواية أمريكية ولم يعرف إلى اليوم أين جثمانه وظلت سيرته موضوعة في سجل الكتب السوداء التي أرخت للإرهاب والقتل والدمار، حسبما صاغت لنا العقلية الغربية تفاصيل الرواية، وظلت السردية الأمريكية والغربية هي المسيطرة حتى موعد العدوان على غزة.
أمام مشاهد قتل الأطفال والنساء بسلاح أمريكي واستخبارات إنجليزية، ودعم لامتناه من فرنسا وصمت عربي مريب، بدا أن هناك سؤالا يطرح نفسه من جديد: هل كان أسامة بن لادن إرهابيا حقا؟!