في المشرحة.. تعطي إبنها المخدر ليعود للحياة!
خطواتها ثقيلة، تَسحبُها نحو ذلك الباب الحديدي البارد، باب المشرحة، حيث يرقد أغلى ما تملك روحًا فارقت الحياة! قلبها يعتصر ألمًا ودموعها تُغرق وجنتيها، بينما يرفض عقلها تصديق أن ابنها مات بسببها، بعدما رفضت أن تعطيه المخدرات، وها هي أمامه، تحاول أن تراه، أن تُلقي نظرة أخيرة على وجهه، حيث يرقد جسده مُغطّى بقطعة قماش بيضاء!
تُزيح القماش بيدٍ مرتجفة، فتكشف عن وجهٍ شاحب، عيونهُ مغلقة للأبد، شفتاه مُطبقتان، لا ابتسامة تُزيّنهما.. تُغمض عينيها، وتتدفق الذكريات كشلال لا ينقطع، تتذكر طفولته، ضحكاته، دموعه، خطواته الأولى، كلماته المتعثرة!
تفتح عينيها من جديد، وتحدُق في وجهه، تبحث عن علامة تدل على الحياة، عن ومضة من الأمل، لكن لا شيء، تُخرج من حقيبتها كيسًا أبيض، "مخدر البودر" تَرشُّ منه على أنفه، تُناشده أن يُحرّك جفنه، أنْ يُلقي نظرة واحدة عليها.
لكن لا شيءَ يتحرّك، سوى صمت رهيب يُحيطُ بها. تقع الأمّ على الأرض، صارخة، باكية، مُناشدة ابنها أن يعود إليها. لكن لا أمل، فقد رحل دون عودة! تبقى الأم جاثية على الأرض، ممسكة بيد إبنها، تُقبل جبينه، تهمس له بكلمات لا تسمعها، كلمات تضج بالحزن والندم والحب.
يُحاول الموجودون تَسْكِينها، لكن لا شيء يمكن أن يُخفّف من ألمها. لقد فقدت قطعة من قلبها، قطعة لن تعود ثانية مهما فعلت! تغادر الأم المشرحة، وتترك وراءها ذكريات لا تُمحى، ولن تنتهي أبدًا. سيبقى ابنها حاضرًا في قلبها إلى النهاية، حتى يجمعهما القدر مرّة أخرى في عالم آخر..
أمٌّ حسن، أمٌّ مثقلة بهموم الحياة، رزقها الله بولدين حسن وسعيد، كبر حسن شابًا وسيمًا، لكنّه وقع في فخ إدمان مخدر الشابو اللعين.. مع مرور الوقت، تحوّل حسن من شاب هادئ لمدمنٍ عصبيّ عدواني، لم يكتف بتبديد أمواله، بل بدأ يطمع في أموال والدته، مُستغلًا ضعفها وحنانها.
في أحد الأيام، عاد حسن إلى المنزل ثائرًا، يطالب والدته بمبلغ كبير من المال لشراء المخدرات. رفضت الأمّ طلبه، خوفًا على صحته ومستقبله، فثار حسن وانهال عليها بالضرب، تاركًا إياها مريضة وخائفة.
شهد سعيد المشهد، ولم يتمكن من تمالك نفسه، فاندفع نحو أخيه، محاولًا الدفاع عن أمه. نشبت مشاجرةٌ حادة بين الأخوين، انتهت بمقتل حسن على يد أخيه الأكبر!
انهارت الأمّ عند سماع خبر وفاة ابنها، لم تستوعب ما حدث، ولم تُصدق أنّ ابنها قاتل أخيه، ذهبت مسرعة إلى المشرحة، لترى ابنها مضرجًا بدمائه.
جلست الأمّ أمام جثة ابنها، تبكي بحرقة وأسى. لم تكن تلوم إبنها الأكبر، بل شعرت بالذنب لعدم قدرتها على مساعدة حسن في التخلّص من الإدمان، وفي النهاية تمنَّت أن يعيش ابنها بالإدمان ولا أن تراه في المشرحة!