رسالة إيران الإقليمية
يعتقد العرب في مقولة أنا وأخي على إبن عمي وأنا وإبن عمي على الغريب ويطبقونها على كل شيء في حياتهم اليومية إلا في ما يتعلق بإيران، فقد كانت التحليلات المغلوطة والمشبوهة تتطابق مع الرؤية الاسرائيلية الغارقة في الضلال لدرجة أننا سمعنا بعضهم يدافعون عن إسرائيل، ويسخرون من إيران لدرجة اتهامها بالتواطؤ مع أمريكا واسرائيل ضد العرب..
وأن الضربة الإيرانية ضد بعض المنشأت الاسرائيلية مسرحية هزلية، خاصة وأن نبرة إيران في إعلان وقف هجومها أوضح وأقوى من نبرتها في إعلان بدئه، كما منحت الجميع فرصة الاستعداد للهجوم قبل تنفيذه إلى حد لم يبق فيه إسرائيلي واحد إلا وعرف بتوقيته.
ويشاء الله أن ترد إسرائيل بنفس الكيفية، ولم نسمع تلك السخرية بل علي العكس ظلت الفضائيات تحلل وتستنتج، ومرة أخري راحت جماعتنا تسير خلف الدعايات الأمريكية الصهيونية بفجاجة، وهذا ليس دفاعا عن إيران ولكن عن المنطق والعدل والموضوعية وبعيدا عن هؤلاء الذين يزعجهم المقاومة.
ومن المعلوم أن إيران تتبع منذ سنوات إستراتيجية سياسية عسكرية تقضي بدفع ونقل المواجهة خارج العمق الإيراني، وفق عقيدة الدفاع الأمامي، التي تعتبرها إيران هدفا لا يجب المغامرة فيه، إذ ترى إيران أن الرد على استهداف رجالاتها ومواقعها في سورية وغير سورية هو في تثبيت تلك العقيدة وتمكين أذرع حضورها في المنطقة وليس الرد في الذهاب إلى حرب مفتوحة أو مغامرة..
وكان الرد الإيراني (المحدود والمحسوب الذي لم يحدث خسائر موجعة) يذكرنا بالرد علي مقتل قاسم سليماني في عملية أمريكية في يناير عام 2020، أي الرد المحسوب والمحدود الذي يعني ممارسة الحق في الرد والردع والإنتقام..
ولكن في الوقت نفسه الذي تكون خسائره غير مؤثرة سواء بقصد أم بغير قصد لأسباب كثيرة جدا منها مدي كفاءة وفاعلية الأسلحة المستخدمة، وهذا العامل تحديدا هو للأسف في مصلحة إسرائيل وذلك حتي يبقي رد الفعل من الطرف الآخر (أي الطرف الإسرائيلي) محدودا ومحسوبا أي منضبطا في الحد الأدني علي طريقة قواعد الإشتباك الحالية بين إسرائيل وحزب الله.
فلا يتطور الموقف إلي حرب إقليمية شاملة ولكن الأمر المؤكد إن ايران ضربت إسرائيل بشكل مباشر وذلك للمرة الأولي في التاريخ. وهذا وحده كفيل بتغيير قواعد اللعبة في المنطقة. تدرك إيران أن معظم صواريخها سيتم إسقاطها بفعل المضادات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والإسرائيلية، وللأسف العربية أو بعض الدول العربية التي يتردد أنها شاركت في الرصد والاعتراض..
الرد الإيراني
ولكنها لم تكن لتتحمل مهانة ضرب قنصليتها ومشاعر الإحباط التي سادت الداخل الإيراني والعالم الإسلامي علي حد سواء من عدم قدرة إيران علي الرد المباشر علي الاعتداء عليها وعلي مساعدة غزة بشكل مباشر ومؤثر. ولهذا قررت توجيه هذه الضربة..
وقد نجحت صواريخ إيران في إصابة مطار عسكري في النقب قالت أن الطائرات التي ضربت قنصليتها قد إنطلقت منه، وكذا موقع عسكري آخر (مطار رامون وقاعدة نباتيم) وهذا يحسب للإستخبارات الإيرانية، ويعكس مدي الدقة التي وصلت إليها الصواريخ الإيرانية بل أن مشاهدة الصواريخ الإيرانية في سماء إسرائيل للمرة الأولي يزيد من حالة القلق والتوتر وربما الرعب في إسرائيل من موجة أخري أكثر قوة ودقة.
كما أن الهجوم الإيراني سيعمق الانقسام السياسي في إسرائيل، وهذا الهجوم المٌنسق أثبت أن الدول العربية والمنطقة فى حاجة إلى نظام إقليمى يحمى مصالح الجميع، ويقضى على الإحتلال والجماعات المسلحة، فالمنطقة تعانى ولفترة طويلة من غياب دولة مركزية قوية قادرة على ضبط الإيقاع رسميا وشعبيا. أما الرد الإيراني فهو منضبط بحسابات الواقع. فمن يرغب في رؤية أشلاء الصهـاينة في الشوارع.. تناسى أن أمريكا وإسرائيل وأوروبا يد واحدة.