وقل رب ارحمهما، تفسير الشعراوي لبر الوالدين من سورة الإسراء
بر الوالدين، أوصى الحق سبحانه وتعالى الأبناء على والديهم في عدة مواضع من كتابه العزيز، بل وقد جعل مكانة الوالدين بعد عبادته سبحانه وتعالى، فقد قال رب العزة: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا»، وفي هذا الإطار أوضح الشيخ محمد متولي الشعراوي في خواطره معنى خفض الجناح والذل للوالدين، والمكانة الكبيرة التي منحها الله لهما.
سورة الإسراء الآية 24
قال تعالى: «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا».
تفسير الشيخ الشعراوي للآية 24 من سورة الإسراء
قال الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسير هذه الآية: (واخفض): الخفْض ضد الرّفْع، (جَنَاحَ الذل): الطائر معروف أنه يرفع جناحه ويُرفْرِف به، إنْ أراد أن يطير، ويخفضه إنْ أراد أن يحنوَ على صغاره، ويحتضنهم ويغذيهم، وهذه صورة مُحسَّة لنا، يدعونا الحق سبحانه وتعالى أن نقتدي بها، وأن نعامل الوالدين هذه المعاملة، فنحنو عليهم، ونخفض لهم الجناح، كنايةً عن الطاعة والحنان والتواضع لهما، وإياك أن تكون كالطائر الذي يرفع جناحيه ليطير بهما مُتعاليًا على غيره.
وأضاف الشيخ الشعراوي: وكثيرًا ما يُعطينا الشرع الحكيم أمثلة ونماذج للرأفة والرحمة في الطيور، ويجعلها قدوة لنا بني البشر. والذي يرى الطائر يحتضن صغاره تحت جناحه، ويزقّهم الغذاء يرى عجبًا، فالصغار لا يقدرون على مضغ الطعام وتكسيره، وليس لديهم اللعاب الذي يساعدهم على أنْ يزدردوا الطعام فيقوم الوالدان بهذه المهمة ثم يناولانهم غذاءهم جاهزًا يسهل بَلْعه، وإنْ تيسر لك رؤية هذا المنظر فسوف ترى الطائر وفراخه يتراصون فرحة وسعادة.
الخضوع والتواضع
وتابع الشعراوي: إذن: قوله تعالى: (جَنَاحَ الذل)، كناية عن الخضوع والتواضع، والذُّل قد يأتي بمعنى القهر والغلبة، وقد يأتي بمعنى العطف والرحمة، يقول تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين..} [المائدة: 54]، فلو كان الذلّة هنا بمعنى القهر لقال: أذلة للمؤمنين، ولكن المعنى: عطوفين على المؤمنين. وفي المقابل {أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين..} [المائدة: 54]، أي: أقوياء عليهم قاهرين لهم، وفي آية أخرى يقول تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ..} [الفتح: 29]، لأن الخالق سبحانه لم يخلق الإنسان رحيمًا على الإطلاق ولا شديدًا على الإطلاق، بل خلق في المؤمن مرونة تمكِّنه أن يتكيف تبعًا للمواقف التي يمر بها، فإنْ كان على الكافر كان عزيزًا، وإنْ كان على المؤمن كان ذليلًا متواضعًا.
وأكمل الشيخ الشعراوي: ونرى وضوحَ هذه القضية في سيرة الصِّديق أبي بكر والفاروق عمر رضي الله عنهما، وقد عُرِف عن الصِّديق اللين ورِقَّة القلب والرحمة، وعُرِف عن عمر الشدة في الحق والشجاعة والقوة، فكان عمر كثيرًا ما يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تصادم بأحد المعاندين: (إئذن لي يا رسول الله أضرب عنقه)، وعندما حدثت حروب الردة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كان لكل منهما موقف مغاير لطبيعته، فكان مِنْ رأي عمر ألاّ يحاربهم في هذه الفترة الحرجة من عمر الدعوة، في حين رأى الصديق محاربتهم والأخْذ على أيديهم بشدة حتى يعودوا إلى ساحة الإسلام، ويُذعنوا لأمر الله تعالى فقال: (والله، لو منعوني عقالًا كانوا يُؤدُّونه لرسول الله لجالدتهم عليه بالسيف، والله لو لم يَبْق إلا الزرع)، وقد جاء هذا الموقف من الصِّديق والفاروق لحكمة عالية، فلو قال عمر مقالة أبي بكر لكان شيئًا طبيعيًا يُنْسب إلى شدة عمر وجرأته، لكنه أتى من صاحب القلب الرحيم الصِّديق رضي الله عنه ليعرف الجميع أن الأمر ليسد للشدة لذاتها، ولكن للحفاظ على الدين والدفاع عنه، وكأن الموقف هو الذي صنع أبا بكر، وتطلب منه هذه الشدة التي تغلبت على طابع اللين السائد في أخلاقه.
ذلة التواضع والرحمة بالوالدين
وأردف الشعراوي: فيقول تعالى: «واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة..»، إذن: الذلَّة هنا ذِلَّة تواضع ورحمة بالوالدين، ولكن رحمتك أنت لا تكفي، فعليك أن تطلب لهما الرحمة الكبرى من الله تعالى: «وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا..»، لأن رحمتك بهما لا تَفيِ بما قدّموه لك، ولا ترد لهما الجميل، وليس البادئ كالمكافئ، فهم أحسنوا إليك بداية وأنت أحسنتَ إليهما ردًّا؛ لذلك ادْعُ الله أنْ يرحمهما، وأنْ يتكفل سبحانه عنك برد الجميل، وأن يرحمهما رحمة تكافئ إحسانهما إليك.
اعتراف الابن بفضل الوالدين
وأتم الشعراوي: وقوله تعالى: «كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا..»، كما: قد تفيد التشبيه، فيكون المعنى: ارحمهما رحمة مثل رحمتهما بي حين ربياني صغيرًا. أو تفيد التعليل: أي ارحمهما لأنهما ربياني صغيرًا، كما قال تعالى: {واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ..} [البقرة: 198]، و{رَبَّيَانِي} هذه الكلمة أدخلت كل مُربٍّ للإنسان في هذا الحكم، وإنْ لم يكُنْ من الوالدين، لأن الولد قد يُربّيه غير والديه لأيِّ ظرف من الظروف، والحكم يدور مع العلة وجودًا وعَدمًا، فإنْ ربّاك غير والديك فلهما ما للوالدين من البرِّ والإحسان وحُسْن المعاملة والدعاء، وهذه بشرى لمن رَبَّى غير ولده، ولاسيما إنْ كان المربَّى يتيمًا، أو في حكم اليتيم، وفي: {رَبَّيَانِي صَغِيرًا..} اعتراف من الابن بما للوالدين من فضل عليه وجميل يستحق الرد.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.