رئيس التحرير
عصام كامل

المبادرات الفردية هي الحل

قام العالم المتحضر كله على احترام المبادرات الفردية وإذا كان صحيحا أن في مصر لا أحد يموت من الجوع، ولامريض يموت لعدم وجود العلاج، ولا يتيم يقهر، ولا فتاة تعيش عانسا لفقرها، وما ذلك إلا لوجود مبادرات فردية مبدعة، ولوجود مظلة اجتماعية أهلية تنتشر بطول الوطن وعرضه..

 

وقد تزايدت مؤخرا المبادرات الفردية والجماعية للتضامن والتساند الاجتماعي في محاولة لسد احتياجات الفقراء الأساسية، وربما كان العمل الأهلي هو الذي حفظ هذا البلد من السقوط والإنهيار، وهناك عشرات الآلاف من الجمعيات الخيرية المتنوعة بمبادرات فردية في كل المجالات، من مساندة الفقراء، لعلاج المرضي، لدور الأيتام، ورعاية القاصرات.. 

إلي جانب صفحات علي مواقع التواصل (عبارة عن ناس يخدمون ناس) من يحتاج لدواء يعرض طلبه، ومن لديه يقدمه إما بسعره أو مجانا، والأكثرية يقدمون مجانا، والبعض لديهم أدوية لا يحتاجونها ويعرضونها أيضا، كل هذا صحيح في العمل الأهلي والاجتماعي.. 

 

ولكن الصحيح أيضا أن نقطة الضعف في مصر الآن هي هشاشة وضعف حيوية المجتمع، والتحكم فيه وكبت روح المبادرة وسحق أي بادرة للاختلاف، أو التنوع أو التعدد.. وإذا كنا توافقنا على مشروع الحوار الوطني بوصفة المشروع الحضاري الذي نعيد به الحيوية والزخم السلمي المنظم، ومن خلاله نرتقى ونرتفع بمشروعنا الاصلاحي الواعد والكبير..  فأن المبادرة الذاتية هي احدى وسائل نجاح الحوار الوطني، وتخطية لكل العوائق والصعوبات التي قد تعترض أي حوار شامل.

المبادرة الذاتية وتجدد الأفكار

المبادرة الذاتية المقصودة هنا هي ثقافة مجتمع وليس بوصفها حالة طارئة، ولو بدأنا من الآن ومنذ هذه اللحظة التأسيس لثقافة المبادرات الذاتية لاستطعنا أن نشيع مناخًا أصيلًا لما يسمى في لغة المجتمعات المتقدمة بالحوار المستقل، وهو الحوار والأفكار التي تنبع من الفرد ذاته ومن نفسه ومن بنات أفكاره ومن رؤاه الخاصة بحسب تقديراته وقراءته وتحليله وتفسيره للموقف أو للحالة المطروحة. 

 

بمعنى آخر الحوار المستقل هو الحوار خارج إملاءات الحزب أو إملاءات وتصورات الجماعة تفرضها على الفرد المحاور أو تشحنه بها وتلزمه بأفكارها وحدودها وسقفها، بحيث لا يخرج عن إطارها ويلتزم بها التزاما حديديا صارما وقاطعا حتى لوكان في داخله غير مقتنع بها، كونه يمثل الحزب فهذا ما سوف يغني الواقع  بتجدد الحياة. 

 

تجدد الافكار لا يمكن أن يتحقق وأن ينجز في واقع محكوم برؤى مسبقة ومعلبة، كما لا يمكن أن نجدد في افكارنا ورؤانا ما لم نعطِ الفرصة الحقيقية للأفكار الشابة والدماء الجديدة لنجدد الدماء في عقول تحتاج تجديدًا، وهذا لن يتحقق في إطار أفكار مؤدجلة متحزبة أغلقت كل السبل أمام محاولة الإبداع الفكري والإبداع الحواري الفعال لنطلق مبادرات أفكار شبابنا ونعطيهم الفرصة لإثبات الذات.

 

 

وقد حان الوقت لفتح أكبر عدد ممكن من النوافذ لتغيير الهواء الراكد لإستعادة حيوية هذا البلد الذي صنع أكبر قوي ناعمة في المنطقة بتعدده في كل المجالات، وبتنوع مدارسه المهنية والسياسية، أما التشنج والصياح في وجوه الآخرين وسبهم ووصفهم بالخيانة والعمالة والتطرف.. كلها أمور لا تبرهن على صحة الرأي أو تملك ناصية الحق..

وإنما غالبا ما تجسد التعصب وقلة المعرفة ومحدودية إدراك للآخر وللعالم من حولنا. فالمستقبل لا يصنع نفسه بنفسه، نحن من نصنع أنفسنا أولًا، ثم نحن من نصنع المستقبل ثانيا، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

الجريدة الرسمية