يوسف إدريس يتحدث عن جريمة أفقدت صوم رمضان معناه وأهدرت روحانياته
طرأت عادات جديدة دخيلة على شهر رمضان العظيم حتى أنه أصبح شهرا للأكل والسهر والتسلية وأمور أخرى، وفي هذا المضمون كتب الأديب الدكتور يوسف إدريس مقالا ضمه دفتى كتابه "فقر الفكر" عن التغييرات التي طرأت على عادات الشهر الكريم بعنوان "ماذا فعلنا برمضان" فكتب يقول:
لا أستطيع أن أقول: ماذا فعل شهر رمضان بنا، فرمضان شهر عبادة وصيام، ومراجعة للنفس وتبتل، شهر السهارى لا لكى يأكلوا إلى آخر ثانية إمساك، ولكن ليعيدوا توازنهم النفسي ويراجعوا ما كان من حياتهم وعامهم وحتى يومهم، ويتبينوا الخيط الأبيض من الخيط الأسود في علاقتهم بالمولى سبحانه وتعالى.
رغبة خالصة فى السمو
لقد جاءت فكرة الصيام ذاتها من الامتناع عن الاستجابة للحاجات الجسدية اليومية من طعام وشراب ومتع وشهوات حتى لا ينشغل الجسد بالجرى وراء تلك المتع، ويتفرغ الجسد للعبادة والطهر والرغبة الخالصة في السمو، ويبدو أننا نحن المصريين تفننا فى لوي أعناق الأشياء لتلائم مزاجنا وأهوائنا، جاء الفاطميون وأنشأوا القاهرة والأزهر الشريف وجاءوا ومعهم المذهب الشيعي.
طقوس ومهرجانات صاخبة
وكثير من الطقوس والمهرجانات الصاخبة التي يضفونها على الأعياد والمواسم مثل مواكب الفوانيس والزينات والكنافة والقطايف والكعك وعروسة المولد واستيراد الياميش والأكل إلى حد التخمة وغيرها.. وكلها طقوس تتعلق بالأكل والشرب والسهر والسمر ولا علاقة لها بالمناسبة التى جاءت من أجلها.
وحين انتهى الحكم الفاطمى انسحب معه المذهب الشيعي من مصر ولم يترك أثرا يذكر، لكن الشيء الوحيد الذى ترسخ في الحياة المصرية هو مظاهر الرفاهية الفاطمية التى كانت تصاحب حلول شهر رمضان والمواسم والأعياد، مظاهر تتعلق بالطعام والشراب والأنس والسهر، فالمصريون مثلا ليلة الإسراء والمعراج يعتبرونها موسما بوجبة طعام فاخرة من البط والأوز بالرغم من أن معجزة الإسراء ليس لها علاقة بالطعام لكن هكذا أراد المصريون والمولد النبوى تعد له حلوى المولد وعرائس المولد وحصان المولد وحلقات الذكر ووجبة طعام فاخرة أيضا.
شهر التقوى والورع
وبالرغم من أن شهر رمضان هو شهر التقوى والامتناع عن الشهوات إلا من الحد الأدنى من الطعام ولنا فى رسول الله أسوة حسنة فكان يفطر على تمرات وكان المسلم إذا ذبح شاة قام بتوزيع لحمها على الأهل والفقراء إلا أن شهر رمضان فى مصر هو شهر الصيام، وادهش عندما اقرأ فى الصحف قبل مجيء رمضان عن استيراد كميات كبيرة من اللحوم والياميش بمناسبة شهر رمضان، او اعلان من وزارة التموين عن توفير كميات من السلع الغذائية وتزداد اعلانات السمن والبقالة واجهزة الراديو وغيرها.
توفير العملة الصعبة
وبعد شهر رمضان تعلن الوزارة عن زيادة أكثر من 30% من الاستهلاك فى الشهور العادية ، رغم أنه كان المفروض أن يقول إن الفائض فى شهر رمضان كذا ألف طن لحم بسبب الصيام، أو أنه توفر كذا مليون عملة صعبة قيمة ما كان مفروضا استيراده من المأكولات والأطعمة.
شهر جشع والتهام طعام
فلم اعد ادهش من عناوين وزارة التموين واحصائيات الاستهلاك اليومى والشهرى لـ شهر رمضان بعد ان تحول الشهر من شهر تبتل وصيام الى شهر جشع والتهام للطعام، وادخل اى بيت مصري مهما تواضع دخله وانظر كم ونوع الاحتفال بوجبة الإفطار والتفنن في عمل السطات والمشويات والمحبشات والرز بالخلطة والزبيب والبندق والطعام يكفى عشرة واحيانا عشرين ويفطر الصائمون والمفطرون الذين يكتفون احتفالا بالشهر الكريم التنازل عن وجبة الغداء حتى يفطروا مع الصائمون فتمتلئ الكروش ويتكرع الواحد منهم تكريعة نكراء ويقول اما كانت حتة اكلة.
إذا نحن كمصريين حولنا رمضان من شهر صيام وعبادة إلى شهر جشع والتهام طعام، وكل ما فعله المصريون هو الاستغناء عن وجبة الغذاء فقط، ولو اقتصر الأمر في حدود الطعام لهانت الكارثة إذ حولنا شهر الطعام والعبادة إلى شهر كسل وإضراب عن العمل والإنتاج وتأجيل كل شيء إلى ما بعد رمضان، ويعود الرجل من عمله سريعا إلى بيته طلبا للقيلولة إلى ما قبل الإفطار والزوجة فى المطبخ تقلى وتحمر وهى تلعن الطبيخ وتنابلة السلطان النايمين نومة اهل الكهف فى انتظار المدفع.
سطحية البرامج والمسلسلات
وحتى قبل ان ينطلق مدفع الإفطار تكون وجبة رمضان الاذاعية والتليفزيونية قد بدات ثماني مسلسلات او اكثر وتمسك المسلسلة تجد موضوعات سخيفة ومؤلفه عبقرى في السخافة موضوعات مفتعلة وكوميديا لا ضحك فيها وكله تسالى صيام يملأ بها التليفزيون الفراغ العقلى الذى احدثه الصوم بمزيد من الفراغ العقلى الذى تحدثه المسلسلات والفوازير بتفاهتها وسطحية البرامج والمسابقات، وأراهنك ان تجلس الى التليفزيون تسع ساعات وان تخرج بشئ يهزك حقا او على الأقل يجعل عقلك يفكر في التحرك لكن كل شيء يدعوك ان تسطح مخك.
تاريخ عريق فى الاسلام
أيضا تشارك صحافتنا فى عملية تسطيح عقل الصائم فالصفحات الدينية تتحدث عن رمضان وكأنه أول رمضان يصوم فيه المصريون وتنسى فى موادها أننا شعب مسلم له تاريخ عريق فى الإسلام.
جريمة افقدت الصوم معناه
لكل هذا يضيع المعنى الكلى لـ شهر رمضان الكريم ويضيع من عمر الإنسان شهرا لم يكسب فيه عبادة وإنما أدى فيه فريضة وبشق الانفس بالرغم من انه شهر عبادة مع ان الصيام حجة المجتهد والعمل عبادة، وفى هذا جريمة دينية أفقدت الصوم معناه والهدف منه، فأى صيام أيها الناس ؟ وأى رمضان ؟ , صيام أيها الناس ؟ وأى رمضان ؟.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.