رئيس التحرير
عصام كامل

الرداء المقدس


تلتحف به مصر منذ فجر التاريخ ، هو المعني الحقيقي لأعماق الشخصية المصرية ، إنه غطاء مصر الأيديولوجي الذي يحافظ علي ملامحها الحضارية ثابتة دون تغيير ، وهو الحافظ لحدود الوطنية المصرية ، الكل يعيش تحت مظلته الذهبية الضاربة في اعماق القدم فهو صمام الأمان الذي يضمن و يأمن لها الاستمرارية والريادة علي مدار التاريخ .

حاول الكثير من الطغاة وجبابرة التاريخ انتزاع هذا الرداء عن أم الدنيا ولم يكن واردا في خلدهم إن هذا هو قدس الأقداس ، هو بمثابة شرف وكرامة مصر ، إنه الوعاء الحافظ للقيم والمفردات والأصول المصرية ذات الخصوصية المتفردة ، إنه الهوية المصرية عبر التاريخ ... إنه أنت إنه أنا .. إنه مصر.

الإسكندر الأكبر ، هو أول من فكر في أن يقترب ليتلمس أطراف هذا الرداء المقدس، وبقلب الأسد أخذ يتوغل في أرض مصر باحثا عن أسرار هذا الرداء الفريد ، حتى اقتنع في داخله أنه وضع يده عليه وهنا أخذ الحلم القابع بداخله يتحرك وبالفعل تجرأ الإسكندر ومد يده للإطاحة به واستبداله بالرداء الإغريقي الهيليني وهنا كان الرد القاطع من أم الدنيا فقد مات الإسكندر بشكل مفاجئ جعل كل أحلامه تترنح وتتهاوى أمام أمواج التاريخ، فذهبت مصر إلى يد بطليموس الأول الذي نجح في تثبيت عرشه لأكثر من ٣٠٠ سنة وقد تحقق له هذا لأنه لم يقترب من الرداء المقدس لينتزعه كما حاول سلفه ولكنه انصهر في أعماق الغطاء الأيديولوجي لمصر وتمصرت ذريته فكان لها سنين المجد والسطوة وتوجت سيرتها بحب المصريين فكان خلود الذكر من نصيب آخر ملوكها. المصرية الخالصة " كليوباترا ". 

أيضاً، إن أكثر من ٦٠٠ عام من الهيمنة لم تكن كافية للرومان في شق الرداء وضرب الغطاء الأيديولوجي المصري فقد وجدوا من المقاومة المصرية أمورا تشيب لها الرؤوس وتصدى لهم الفكر الفلسفي والعقيدة الوطنية فطرحتهم تحت أقدامها وباتوا احتلالا عسكريا صريحا يعيش في تواز غير منسجم مع النسيج المصري العام حتي بدا يميل عنهم طيف التاريخ وسقطت جحافلهم تحت أرجل القوات العربية التي يترأسها الداهية عمرو بن العاص.

وهنا نجد أنفسنا واقفين أمام تجربة تاريخية تستحق التأمل والتحليل، فالجيش العربي الذي دخل مصر كان في ظاهره حربيا وفي بواطنه عقائديا، لم يكن الرداء المقدس هدفا له وهذا هو الغريب في الأمر ، بل تعامل معه عمرو بن العاص كحليف له يساعده علي التوغل والانصهار في أعماق الوجدان المصري ويأمن له البقاء لجنس العرب ولدين الإسلام وقد كان له ما أراد واستمر الإسلام في مصر مؤمنا تحت ظل الرداء المقدس حتي وقتنا الحاضر.

أما اليوم فقد ظهر في مربع الحكم نوعية من البشر يشبهون المصريين خارجيا في كل شيء ويختلفون داخليا أيضاً في كل شيء هم أعداء لمصر برابرة في الفكر ووحوش آدمية في النهج ، أرادوا لمصر الفناء، فقد كان الرداء المقدس هو الهدف الاستراتيجي أرادوا أن ينتزعوه من على جسد مصر ويلبسونها رداءهم المهلهل القبيح لم يأتوا كطغاة من الخارج بل ولدوا في مصر ولكنهم ليسوا أبناء لمصر اقتربوا من قدس الأقداس ليغتصبوه ولكن عراقة وقدسية الرداء هي التي تدافع عنه وتحافظ عليه منذ أن كان الإسكندر قائدا للعالم ثم ابتلعه التراب إلى أن ظهر الإخوان المسلمين كحكام لمصر ثم ذهب بهم التاريخ إلى أعماق السجون وأبدية النسيان، فلنحافظ على هذا الرداء هذا الدرع الواقي لهوية مصر فهو الضامن الوحيد لبقاء الأجيال القادمة.
الجريدة الرسمية