رئيس التحرير
عصام كامل

وهـم الاحــتراب الأهــلي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

الاحتراب الأهلي هو الوضع الذي تكون فيه أقاليم البلد الواحد في حالة نزاع مسلح فيما بينها، أو تكون هناك فـرق وأحـزاب التجأت إلى السلاح كوسيلة لحسم الصراع السياسي فيما بينها لتغليب توجه معين والانتصار له، وخضعت الأطراف المحتربة فيه إلى القانون الدولي الذي يحكم أوضاع الحرب.


وأوضح مثال على حالة الاحتراب الأهلي في المجال العربي ما تعرضت له لبنان سنة 1975 م؛ حيث حملت كافة الطوائف السلاح في مواجهة كافة الطوائف واستمر نزيف الدم لعدة سنوات وكذا الحرب السودانية السودانية والتي انتهت بإعلان دولة الجنوب السوداني.
وفي المجال الدولي النزاع الذي نشب في أعقاب تفكك جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية ما بين أقاليم الدولة الاتحادية، والمتأمل في هذه الأمثلة يجد أنها تحمل في أحشائها بذور الفتنة وأسباب الشقاق، فإذا ما جرى العبث بهذه البذور وتغذيتها والسهر عليها بمؤامرات داخلية أو خارجية أو كليهما وقع الاحتراب الأهلي.

والإخوان منذ اللحظة الأولى للإطاحة بنظامهم الفاشل وهم يقامرون على هذه الورقة، بل وفي بداية حكمهم حين أعلنوا أن مصر سيتم إغراق شوارعها بالدماء حال فوز غيرهم بمنصب الرئاسة والرئيس المعزول في آخر خطاباته قد أعلن تهديداته على ذات المحور حين قال بأنه بنفسه فداء للشرعية المزعومة التي خرج عليها وانحرف عن مسارها بإعلانه غير الدستوري الذي انقلب به على قسمه باحترام القانون والدستور. وقد انهالت ذات المعاني والمقاصد وإن اختلفت التعبيرات المستخدمة حين خرجت مظاهراتهم قبل يوم الثورة معلنة عن الرش بالدم في مواجهة الرش بالماء والسحق، وتسمع في إعلاناتهم قعقعات السلاح وترى بعينك شرر سنابك الخيل المغيرة. ووضعوا المجتمع بين خيارين: إما الخنوع والاستسلام وتقبيل الأيادي والأقدام وإما الحرب والموت الزؤام.

والآن يتخندقون في رابعة العدوية والنهضة بعد أن دشنوا مواقع وحصونا ونصبوا على ثغورها الأسلحة في تحد متبجح لسلطات الدولة وسيادتها، وأعلنوا الحرب على المجتمع، ولا أدل على ذلك من تلك السرايا التي يسيرونها محدثة هرجًا ومرجًا في ربوع مصر يتم تصويره وتصديره للعالم باعتباره انقسامًا داخل المجتمع المصري يتهدده بالحرب الأهلية، وهم يستخدمون في ذلك وسائل إعلام مرئية ومقروءة مملوكة لهم أو موالية أو مأجورة أو مغيبة عن الواقع في ظل قصور مخزي في أداء الخارجية المصرية وهيئة الاستعلامات. فضلًا عن أقلام وعقول مصرية وعربية وأجنبية باعت نفسها للشيطان. ثم يأتي الدعم الأمريكي الصهيوني والغربي ظهيرًا لهذه العصابة الإجرامية التي باعت البلاد والعباد من أجل الوصول إلى سدة الحكم.

فهل ينجح الإخوان وحلفاؤهم بالداخل والخارج في إحداث انقسام داخل المجتمع المصري يتم تطويره إلى حالة الاحتراب الأهلي، الذي يبرر للأمريكان والغرب ويمنحهم الغطاء الشرعي للتدخل في شئون مصر وفرض أجندتهم عليها لصالح هذه الجماعة ولصالح مشروع الشرق الأوسط الجديد بتقسيماته المستحدثة والمستنسخة من اتفاقية سايكس / بيكو، التي قسمت العالم العربي في أوائل القرن الماضي؟.

الواقع أن الإخوان والأمريكان والغرب يقعون أسرى لهذا الوهم، فالقول بوجود انقسام داخل المجتمع المصري هو قول باطل؛ لأن الحاصل أن جماعة قد شردت عن الركب المجتمعي بدعاوى باطلة لا تمثل نسبة تذكر لا يمثل شرودها انقسامًا قد تكون أكثر تنظيمًا وأعلى تمويلًا وأكثر ضجيجًا وصخبًا من غيرها إلا أن كل ذلك لا يخلق انقسامًا ولا يصنع احترابًا في مجتمع متجذر في أعماق التاريخ. مجتمع يحمل جينات التاريخ الإنساني فوق ظهره منذ فجر التاريخ والحضارة.

لا ريب أنهم أذى ولكن المؤكد أنه سيتم إماطته عن الطريق، وهيهات هيهات أن يعرقل المسير أو يجر بأغلاله أقدام مصر إلى حيث لا تريد.
الجريدة الرسمية