روسيا.. والبديل الثالث لأزمة التعويم
لا شك أن مصر تمر بأزمة اقتصادية خانقة نابعة من شح الدولار وارتفاع سعره؛ مما يؤثر على كافة الأسعار بالارتفاع الشديد، فالدولار هو الأساس في الاستيراد، ومصر تستورد الكثير والكثير من الاحتياجات فهي على سبيل المثال أكبر مستورد للحبوب في العالم، وتحصل على نحو 80 في المائة من احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا.
ومع تعطل سلاسل الإمداد وارتفاع الأسعار بنسبة تجاوزت 33 في المائة، أضيف ما يقرب من ملياري دولار إلى ميزانية دعم الحبوب البالغة 3.2 مليار دولار، ما أجبر البلاد على الاعتماد على احتياطاتها من العملات الأجنبية.
وبالطبع فالمعاناة بدأت في نوفمبر 2016 عقب قرار البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه، ذلك القرار الذي وصفناه وقتها بالقرار الأسود ؛ ليقفز الدولار من 7.8 جنيه إلى 18.7 جنيه، قبل أن يستقر ما بين 15 و16 جنيهًا.
وفي أكتوبر 2021 أصدر البنك المركزي قرارًا بالانتقال إلى سعر صرف مرن، لتتراجع قيمة الجنيه بشكل متسارع، ويتجاوز الدولار في يناير 2022 نحو 27 جنيهًا، قبل أن يرتفع مرة أخرى في مارس من العام نفسه، ويستقر سعره الرسمي في البنوك عند 30.85 جنيه للدولار الواحد، وإن ظل سعره يرتفع في السوق الموازية مع نقص النقد الأجنبي حتى تجاوز أخيرًا حاجز الـ50 جنيهًا للدولار.
نقص الدولار والضغوط على السوق الموازية واقعان دفعا نحو موجة غلاء تزامنت مع ارتفاع نسب التضخم بمعدلات غير مسبوقة، مما وضع عبئًا هائلًا على المصريين الذين يعيش ما يقرب من ثلثهم بالفعل تحت خط الفقر.
وهنا تجد الحكومة نفسها في مأزق شديد فإما أن تعوم الجنيه ليصل لسعره الحقيقي في السوق السوداء أمام الدولار؛ أي يكون الدولار بسعر 50 جنيها وليس 30 جنيها، ووقتها ستشتد موجة الغلاء قد تصل إلى قيم لا يمكن تحملها مما ينذر بعواقب وخيمة اجتماعية وعلى الصناعة.
أو تتجاهل الحكومة الأمر فيظل سعر الدولار في السوق السوداء 56 جنيها وفي البنك 31 جنيها، ويظل شح الدولار وعدم إرسال العاملين بالخارج دولاراتهم التي تشكل المصدر الأساس للدولار في مصر، وتظل الأزمة ويغضب صندوق النقد الدولي الذي يضغط على مصر من أجل التعويم.
التعاون مع روسيا
ووسط هذه العتمة يوجد خيار ثالث ظهر لمصر، وهو الاتجاه إلى التعاون مع روسيا اقتصاديا وفي كافة الميادين، وذلك بالعملة الروسية والجنيه المصري، خاصة أنه في شهر يناير 2023 أعلن البنك المركزي الروسي عن تحديد الأسعار الرسمية للروبل مقابل تسع عملات أجنبية أخرى من بينها الجنيه المصري.
فإذا تم زيادة الصادرات لروسيا، وتم استيراد معظم الاحتياجات منها بالعملة الروسية والجنيه فإن في ذلك الحل لتراجع أزمة الدولار في مصر، مع الاعتماد على الصناعة المصرية والزراعة ليكون هناك ما يمكن تصديره بكثافة تعوض ما نستورده من روسيا..
وقد أكد الرئيس الروسي بوتين استعداد روسيا لتكون ذلك الشريك الذي ينتشل الاقتصاد المصري من أزمته مع الحفاظ على استقلال القرار المصري؛ ولأن ذلك يأتي في إطار الإفادة للبلدين، ففي فعاليات صب الخرسانة الخاصة بقاعدة وحدة الكهرباء رقم 4 بمحطة الضبعة النووية وعبر الفيديو كونفرانس أكد بوتين أن العلاقات بين البلدين مبنية على المساواة والاحترام المتبادل.
وقال: إنه "خلال القرن الماضى، كان المختصون السوفيت قد شاركوا بشكل كبير فى تطوير الاقتصاد والدفاع فى مصر، وقدموا المشروعات المتطورة مثل السد العالى، وتم بناء شركات كثيرة تعمل حتى الآن وتأتى بالفائدة للشعب المصري".
ونوه بأن التعاون بين البلدين مازال مستمرا وفى تطور، لافتا إلى أن مصر تعتبر صديق وشريك استراتيجى لروسيا، وأن العلاقات مبنية على المساواة والاحترام المتبادل وفقا لاتفاقية الشراكة المتعددة والتعاون الاستراتيجى التى تم التوقيع عليها فى عام 2018.
وأكد بوتين أن التبادل التجارى بين البلدين يتطور، وقد شهد نموا خلال الـ 10 شهور من العام الماضى بنسبة 20%، موضحا أن هناك مشروعات عديدة فى مجال الطاقة والزراعة يتم إنجازها، وأيضا فى المواد الغذائية، كما يجرى تطوير المنطقة الصناعية بالقرب من قناة السويس، فضلا عن الآفاق الكبيرة فى تطوير التعاون عبر انضمام مصر إلى مجموعة بريكس.
وشدد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن موسكو ستبذل، خلال ترأسها هذا العام 2024 لمجموعة بريكس، كل ما فى وسعها لكى تصبح مصر فعالة ضمن عمل تلك المجموعة، معربا عن أمله في مشاركة مصر كافة الفعاليات المقررة لمجموعة بريكس خلال العام الجارى، والتى تبلغ أكثر من 200 فعالية.
ووجه بوتين الدعوة للرئيس عبد الفتاح السيسى لحضور اجتماع مجموعة بريكس في مدينة قازان الروسية خلال شهر أكتوبر القادم، لافتا إلى أنه يتابع العمل بشكل متواصل مع الرئيس السيسى لآخر التطورات في مشروع الضبعة، وذلك منذ توقيع الاتفاق عليها منذ عام 2017.
وأشار بوتين إلى أن شركة "روس أتوم" تقوم ببناء أربع وحدات لمحطة الطاقة النووية في مصر تقدم خلالها 4200 ميجاوات، موضحا أن الشركة ستقدم سنويا حوالى 73 مليار كيلو/ وات من الطاقة الكهربائية.
وتشـير الإحصاءات الصادرة عن الجهــاز المركــزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين مصر وروسيا لتصل إلى 5.1 مليار دولار خلال الـ11 أشهر الأولى من 2023 مقابل 4.5 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2022 بنسبة ارتفاع قدرها 14%.
حيث سجلت قيمة الصــادرات المصريــة إلى روسيا 469 مليون دولار خلال الـ11 أشهر الأولى من 2023 مقــابل 543 مليـون دولار خـــلال نفس الفترة من عـــام 2022 بنسبة انخفاض قــدرها 13.7%، وبلغت قيمـــة الــواردات المصريــة من روســيا 4.6 مليــار دولار خلال الـ11 أشهر الأولى من 2023 مقابل 3.9 مليار دولار خــلال نفس الفترة من عام 2022 بنسبة ارتفاع قدرها 17.5%.