فيروس نتنياهو
حين وصف أبرز الخبراء العسكريين في العالم أداء الجيش الصهيونى في حربه المسعورة على غزة بأنها حرب كاشفة لعورة العسكرية الاسرائيلية، وأسميها فاضحة، فإنهم لم ينطلقوا في وصف أداء جيش دولة مدللة من الغرب وحكامه ومجهزة بترسانة متقدمة من الأسلحة، وصفا قاسيا إلى هذه الدرجة من فراغ أو على غير أساس.
مضت ثلاثة أشهر وأكثر على حرب الابادة الجماعية تشنها اسرائيل بالطيران والمسيرات والدبابات والمدفعية والمشاة والنخبة، ولم تحقق هدفا واحدا من اهدافها المعلنة وهي القضاء على حماس، وتهجير السكان قسرا أو طوعا، وتحرير الرهائن والأسرى.
بعد ثلاثة أشهر وأكثر تفجرت الخلافات في مجلس إدارة القتل والذبح والتهجير، مجلس الحرب المصغر، وكانت النذر جلية منذ البداية حين ألمح نتنياهو أن هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر وانتصارها الاستراتيجي علي إسرائيل سببه التقصير الأمنى، ومن الجيش معا..
وهو ما ترتب عليه رد صارم من الشاباك ومن الموساد ومن وزارة الدفاع، ولمصلحة الامن القومي في بداية الحرب لزم الجميع الصمت علي أن تكون المساءلة والتحقيق بعد انهاء الحرب بالنصر واحتلال غزة وطرد حماس!
حرب بلا نهاية
كان تصورهم أنها حرب أسابيع أربعة لا أكثر، لكنهم فوجئوا بالتسليح الذي لاينفد. والارادة الفولاذية، والخطط البارعة والتكتيكات الناجحة لدى الجانب الفلسطيني، فضلا عن ذراع اعلامية ذكية فهمت كيف تؤثر بقوة علي معنويات الجبهة الداخلية، عموم الامهات وأهالي المحتجزين..
أضف إلى ذلك أن إلحاح الأمريكان على طرح السؤال الاستراتيجي كان بمثابة فيروس ضرب في عظم مجلس الحرب المصغر، فقد سألهم أوستن وزير الدفاع الأمريكي قبل أن يرقد في المستشفي حاليا، وسألهم بلينكن اليهودي وزير الخارجية: ماذا أنتم فاعلون في اليوم التالي لإنتهاء الحرب؟ ما هي رؤيتكم السياسية؟
فوجئ نتنياهو بالسؤال، ولم يرد في ذهنه أبدًا، لكن بايدن نفسه وجه اليه السؤال مرات، وحتى أثناء زيارته دعما لاسرائيل، وطول الفترة الماضية يتخبط نتنياهو في العثور علي إجابة، وكل يوم يضرب تصريحا وتصريح مخالف له، حتى ضج منه الجيش وضجر من أكاذيبه، بل من تآمره علي رئيس أركانه في عز العمليات، وأوعز إلى كلبيه المسعورين بالهجوم علي رئيس الأركان واتهماه بالفشل!
ومع الغليان الداخلي من مظاهرات وحشود يومية لأهالي المحتجزين والقتلي والمصابين. والمعاقين كليا، ومع تردي الوضع الاقتصادي اليومي وفشل الجيش في احراز أي انتصار، بدأت كلمة الحق والحقيقة تكشف عن نفسها، فأعلن وزراء في مجلس الحرب أن أداء الجيش ضعيف لابد أن يتحسن، وأن حماس لاتزال تملك الكثير من السلاح ولا تزال تقاتل، والأخطر ما أعلنه الجيش من أنه يحارب علي جبهات ثلاثة، في غزة وفي الضفة وفي سوريا، لكن السياسيين يحاربونه!
حين يقع انقسام بهذا العمق والجسامة بين السياسة والعسكرية فهى الهزيمة، وحين يتبادل الطرفان الاتهامات والعمليات جارية بالدم والنار والدخان، فهذه هي الهزيمة، وحين تواصل المقاومة ضرب جنود العدو، وقد فقدوا قياداتهم المشغولة في الجدال، فهذا هو النصر، رغم الثمن الفادح الذي يدفعه المواطن الفلسطيني يوميا.
أهم نتيجة برزت وإن كانت متأخرة هى أن الجيش الاسرائيلي بات يؤمن بأن نتنياهو يدير ويريد حربا بلا نهاية لكي يستمر في مقعده رئيسا للحكومة، وليس نزيلا في السجون لادانته بالفساد!
جيش منقسم. حكومة منقسمة. ضعف فاضح في الأداء العسكرى يقابل هذا كله تماسك فلسطيني، وضراوة في القتال، وتفنن في الخطط.. وصمت عربى بفعل الاعتياد! حقا وصدقا.. لقد منحهم الله الجدل ومنعهم العمل.. وكل الدعوات الصادقة أن يديم عليهم نتنياهو فيروس ينخر فيهم لحما وعظاما
ونواصل..