حديث قلب
جراحين الغلابة.. إبراهيم بدران وأحمد مرسي
اقتربت كثيرا من الجراحين الكبيرين إبراهيم بدران (رحمه الله)، وأحمد مرسي (أطال الله في عمره)، خطوط مشتركة تجمع بين هاتين القمتين أهمها: التفوق العلمي ومهارة الجراحة والزهد والانحياز للفقراء؛ فلم يرفض أي منهما مريضا علي أبواب غرفة العمليات بسبب ضيق ذات اليد، والتدين الشديد لأنهما صوفيان بالفطرة!
لقد استمر نابغة الجراحة الدكتور أحمد مرسي على هذا النهج الإنساني العطوف حتى الآن، مسجلا في سيرته المعطاءة الكثير من المواقف المشرفة التي يشار إليها بكل تقدير واحترام، بعد أن كتب اسمه بحروف من ذهب كأحد أساتذة جراحة المسالك البولية المعروفين في الموسوعات العالمية..
لقد أجريت أحاديث صحفية مطولة مع الراحل العظيم الدكتور إبراهيم بدران وكنت أعرفه عن قرب طوال السنوات الماضية حتى وفاته في 18 ديسمبر عام 2015، وفي أول أكتوبر خضعت لإجراء جراحة استئصال الكلى اليسرى على يد نابغة الجراحة الأستاذ الدكتور أحمد مرسى والذي تبؤ مناصب علمية مرموقة أهمها رئاسة قسم طب وجراحة المسالك البولية بكلية طب قصر العيني.
خيوط مشتركة
العالمان بدران ومرسى تربطهما خيوط مشتركة، المهارة والثقة بالله، وشد التدين (لمرحلة التصوف)، والزهد والتعاطف مع المريض نفسيا وماديا، وياليت باقي الطامعين من مشاهير الأطباء في مصر يتعلمون ويتعظون ويقتنعون بأن الكفن ليس له جيوب وكلا الجراحين الكبيرين (يتوضأ) قبل دخول غرفة العمليات..
يعود شريط ذكرياتي إلى الخلف عندما قادني الممرض وأنا مستلقى على ظهرى فوق التروللي إلى غرفة العمليات. لأجد هذا الوجه البشوش الناطق بالإيمان ينتظرني ويربت على كتفى وحوله طاقم مساعديه من أطباء التخدير، ويهدأ من روعي وخوفي، وقبل أن أفرد ذراعي واستسلم لحقنة الموت المؤقت، أقصد التخدير..
لا أدرى كيف قادني فضولي المهني أن أسأل الجراح الشهير أحمد على مرسي هل ترى الله سبحانه فى غرفه العمليات؟ فيرد بكل براءة إن كنت أراه في كل لحظة من أمورى الحياتية، فإننى أراه في هذا الموقف أكثر لأننا الأن ما بين رحمته ورجائه..
ثم طلب منى أن أردد خلفه هذا الدعاء الذي يحفظه عن ظهر قلب، ويطلب من مريضه أن يردده معه اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تفتح لنا أبواب الخير والتيسير وتغلق لنا أبواب الشر والتعسير اللهم لا سهل لا ما جعلته سهلا وأنت إن شئت جعلت الحزن سهلا...
وبفضل الله سبحانه الحنان المنان وببركة هذا الجراح الماهر الذي كان يتصدر دائما أوائل دفعته طوال مراحل دراسته، نجحت هذه الجراحة الكبيرة وأعيش بكلية واحدة راضيا مرضيا بقدر المولى عز وجل.
العالم الصوفي الدكتور أحمد مرسى أشهد أمام الله أنه زاهدا في المال والشهرة والظهور أمام الأضواء والكاميرات مثله مثل الدكتور إبراهيم جميل بدران، لا يطلب من المريض أكثر من استطاعته هو يؤمن بالحديث النبوى الشريف (إن لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس يفزع الناس إليهم في حوائجهم أولئك هم الأمنون من عذاب الله).
فهو يكرس كل وقته وعلمه لمساعدة المحتاجين من المرضى وغيرهم. ولم يرفض إجراء جراحة يوما المريض بسبب ضيق ذات اليد إذا كان التدخل الجراحي الفورى ستنقذ حياته، وبفضل هذا النهج الإنساني الذي سلكه تزدحم عيادته بالمرضى القادمين من كل محافظات مصر، صحيح يتقاضى كشف وأتعاب لكنها أقل بكثير من أتعاب تلاميذه..
وبحسب وقته واستطاعته يداوى أجسادهم العليلة بلمسة يده الحانية، ويجرى كل جراحاته بأصابعه الذهبية التي تشخص عضال الداء بخبرة ومهارة وحنكة، ويطبب المناطق الجريحة بالآلام بحلو لسانه قبل مشرطه - وكم سمعت عشرات المرضى تلهج السنتهم بالدعاء له والثناء عليه من مسلمين وأقباط، حتى أننى رأيت تلك المشاهد من رهبان وكهنة جاءوا من أقصى الصعيد تاركين أديرتهم للمثول أمام هذا الجراح الكبير طالبين تشخيص الداء، ووصف الدواء، أو التدخل بجراحاته الحاسمة، واثقين في قدراته وأمانته..
والحديث مع هذا العالم الدكتور أحمد مرسى متعة، فهو يجمع ما بين العلم والدين، فهو يؤمن بأن المرض يقع على الإنسان بقضاء الله تعالي وجعل الله له دواء، والشفاء أيضا من عند الله سبحانه، فإذا أصاب دواء الداء برأ المريض بإذن الله وإذا لم يصبه أجره على الله في الصبر والاحتساب..
بل وهناك من الأحاديث الشريفة عن مهنة الطب، فعن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء أو (شفاء) علمه من علمه وجهله من جهله..
والقرآن الكريم يحوى آيات في الطب، كما أضاف النبي (صلى الله عليه وسلم) رصيدا ضخما إلى التراث الطبي ونفعه لحماية الناس وإنقاذهم من كثير من المهالك ومداواة العلل وحفظ الصحة، لنتأمل الآية الكريمة (وَنُنـزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ).. وما جاء في السنة الشريفة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فإنه مكمل لما جاء في القرآن الكريم..
ما أجمل العلم والإيمان إذا اجتمعا في شخصية هذا العالم المتصوف الدكتور أحمد مرسي. والطريف في الأمر أن الدكتور أحمد على مرسى يواجه دائما سؤال لمن لا يعرفه شخصيا من مرضاه أو عامة الناس: حضرتك قريب محمد مرسي؟ فيرد ضاحكا: هل كل من يحمل لقب (مرسي) قريبه.. يا ناس سيبوني اشتغل بقه حرام عليكم !