الدكتور محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء في حوار لـ"فيتو": التطرف والتكفير والعنف جعلت صفحة مصر سوداء
- الجيش حمى مصر من مصير سوريا
- فهم الإسلام الصحيح يكون عن طريق علماء الأزهر
- بعض التيارات تحاول الاستئثار بالأزهر وتحاربه
أكد الدكتور محمود مهنا، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء، أن التيارات المتشددة التي وفدت إلى مصر سوف تدخل البلاد في منحنى خطر بسبب عنفها وتطرفها، وشدد على أن الخلاص الأخير هو فهم صحيح الإسلام بالالتفاف حول علماء الأزهر وعدم اتباع الأفكار المتطرفة حتى لا يكون للإسلام صورة سيئة تحقق طموحات أعداء الإسلام، وقال في الحوار الذي أجرته "فيتو" معه أن دور الأزهر في ظل هذه الأزمات أن يقف رافعا راية الإسلام التي تحض على الحفاظ على الأرواح وصون الدماء، والمزيد في الحوار التالي:
بداية نحن نعيش حربا أيديولوجية بين التيارات الإسلامية التي احتلت الساحة المصرية وكل يدعي الصواب والصلاح فما قراءتكم للمشهد المصرى الحالي؟
حقيقة هذا مشهد في غاية الالتباس لأن هذه فتن آخر الزمان التي أخبر عنها رسول الله، حيث قال عنها: "فتن كقطع الليل المظلم"، ولو نظرنا إلى القرآن الكريم سنجد أنه يرصد واقعنا فالله تعالى يقول لمن يدعي الصواب إن (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكو أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) والذي يدعى لنفسه الصواب ويدعى لغيره الفساد ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال العبد صلح الناس فهو أصلحهم وإذا قال أفسد الناس فهو افسدهم"، أي أفسدهم بظنه السيئ ونسي أن كل من قال "لا إله إلا الله محمد رسول الله" فهو مسلم حتى وإن عصي، فإن مذهب أهل السنة والجماعة تقبل توبته ما لم يغرغر، انطلاقا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"، وقوله تعالى: "إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق"، فرغم أنهم قتلوا أصحاب الأخدود إلا أن الله تعالى بين لهم أنهم لو تابوا لتاب الله عليهم والقرآن يقول (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وأمن وعمل عملا صلحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات" فهم مع فعلهم الكبائر وتوبتهم إلى الله يقبل الله توبتهم، والذي يجري الآن من دعاة الفضائيات دعوة للخيبة وللفتنة والتقاتل، وبخاصة الفضائيات التي تدعي التدين ويظهر فيها الدعاة وهم يسبون بعضهم بعضا، فأي دعاة هؤلاء وأي دين يدعون له وعند الرد عليهم يكفر بعضهم بعضا فهل هؤلاء معصومون؟! على الرغم من أن الإمام مالك رحمه الله قال: "كل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا المقام وأشار إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم" فكل بني آدم خطاءون ولكن خير الخطائين التوابون، والحقيقة أن الصفحة المصرية الآن صفحة سوداء، الكل فيها يدعي لنفسه الصواب ويكفر الآخر ويصفه بعدم الإيمان والإسلام فهي طامة كبرى ألمت بالمجتمع الإسلامي.
ظهرت فتاوى كثيرة منها ما يكفر الخروج عن الحاكم ومنها الإحرام إلى رابعة في الحج والعمرة نود توضيح موقف الشرع الإسلامي من هذه الفتاوى وهل هي صحيحة أم باطلة؟
أنا ضد الفوضى وضد الفراغ المفضي إلى الفوضى، فرئيس البلد كما حدده الشرع يختاره أهل الحل والعقد وهم عقلاء الأمة وعلماؤها أو عن طريق الانتخاب، وطالما جاء رئيس البلد عن طريق صندوق انتخاب فلا يصح الخروج على شرعيته إلا إذا أفتى بذلك عقلاء الأمة وعلماؤها، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون عليكم أمراء ظلمة فقالوا أفلا نقاتلهم يا رسول الله؟ قال لا ما أقاموا الصلاة" وبين النبي أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ما دام لم ينطق بكفر صريح عندنا فيه من الله برهان، ولابد أن يكون أيضا للحاكم أن يولي مصلحة الشعب وأن يولي أمر البلد إلى من هو كفء، وأن يختار رجاله ليس من أهل المحبة لكن من أهل الكفاءة حتى ولو كان أعداء له، ولنا في رسول الله أسوة حسنة فقد قرب الرسول صلى الله عليه وسلم عكرمة بن أبي جهل وقرب سفيان بن حرب ولما أسلما تغيرا، فيجب على الرئيس الذي جاء بانتخاب الشعب أن يفتح صفحة جديدة يمد يده فيها للجميع من أجل الوطن.
تساؤل مهم يسأله المصريون لأنفسهم يوميا: مصر إلى أين برؤيتكم.. إلى أين يتجه مستقبل الوطن في ظل التصارع الموجود بين الشعب المصري؟
مصر إذا كانت على هذا المستوى وعلى هذه الطريقة فهي تتجه إلى الهاوية، وإني أخشى أن يكون مصير مصر نفس مصير سوريا، وأخشى حدوث حرب أهلية لأنه بذلك سيكون المصريون هم الضحية.
كيف تقيم ما قام به الجيش وهل التفويض الذي حصل عليه مطابق للشريعة الإسلامية؟
الجيش أنقذ البلد من براثن سوريا جديدة، فأعداء الإسلام يتربصون بنا الدوائر ويريدون أن ينالوا من أمن هذا البلد ومن شعبه، لكن أهله في رباط إلى يوم القيامة كما أخبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وستكون مصر كما أخبر الله تعالى آمنة مطمئنة لأن الله حفظ هذا البلد، وفي رؤيتي أن التفويض الشعبي للقوات المسلحة وما خرج إليه الناس في الشوارع هو إجماع من الأمة على أمر التفويض.
لكن أين دور الأزهر المشهود له في مثل هذه الموقف؟
دور الأزهر موجود ودائما يتحرك الأزهر في هذه المواقف ليصون الدماء، فعلماء الأزهر يسارعون الوقت من أجل حفظ الأنفس والدماء فالدعاة على المنابر والعلماء في الإعلام يتحدثون ليصل صوتهم إلى جميع قطاعات الشعب المصري، من أجل حماية وطنهم والحفاظ عليه وعلى أرواحهم، ونحن دائما نحذر من هذا الوضع، وأنا أرى أنه يجب أن يصدر الأزهر قرارا بأن ما يجري على الساحة لا يرضي إلا الأعداء ويؤدي لتشتيت الأمة وتمزقها وفرقتها.
دور الأزهر باعتباره مؤسسة عالمية يتخطى الحدود المصرية ليصل إلى العالم، هل ترى أن دور الأزهر بصفة عامة داخليا وخارجيا يرضي جميع الأطراف؟
نعم دور الأزهر في هذه المرحلة الحالية يرضي جميع الأطراف ويرضي المسلمين، لكن للأسف لا يرضي بعض التيارات التي تريد أن تستأثر بالأزهر لنفسها وتحاربه بما لديها من قوة، وتريد ألا يكون للأزهر دور ويعيبون على الأزهر بوسطيته التي تدرس المذاهب الإسلامية، لأنهم يرون أنهم الفصيل الأصلح والأفضل ونحن كأزهريين نرى أن هذا ما يميز الأزهر وهذا سر وجوده وقوته وصموده حتى الآن.
الفتاوى على الفضائيات زادت بشكل خطير عقب الانفتاح العقائدي الذي أعقب الثورة، فهل يكون تقنين الفتوى هو الحل؟
ملف الفتاوى للأسف أصبح ملفا خطيرا وأصبح للفتاوى دعاة يتاجرون بها ويظهرون على الفضائيات التي تسمى نفسها فضائية إسلامية، وأنا أقولها بكل ما أوتيت من قوة إن تسعين بالمائة من الفتاوى على الفضائيات باطلة وأساءت إلى الإسلام كثيرا وأرجعته ألف عام عن مسيرته الحقيقية، لأنهم ليسوا دعاة أو مفتين بل هم يمارسون دورا يسيء للإسلام ولصورة الإسلام، والحل في أن يصدر قرار من الأزهر والإفتاء والحكومة بتقنين الفتوى، ولا تصلح الفتوى عبر الفضائيات إلا بإشراف من الأزهر خاصة لشيوخ الفضائيات الذين يظهرون بهذا الشكل وبهذه الوجوه التي تتاجر باسم الفتاوى.
بعد خلط الدين بالسياسة أصبح ملف الدعوة يحتاج كثيرا للإصلاح فكيف ترى هذا؟
بالفعل ملف الدعوة يحتاج للإصلاح كثيرا، خاصة بعد دخول جيل من الدعاة الذين ينتمون لتيارات مختلفة وأصبح كل منهم يرى فكره الصائب، وهذا الأمر لا يوجد في الإسلام فالدين الإسلامي لا يعرف التيارات المتشددة ولا التطرف الفكري، ولا يعرف لغة التهديد ولا لغة الوعيد ولا لغة الحرب والإرهاب، فأين العز بن عبد السلام وأين الشيخ عبد الحليم محمود وكل الدعاة الأزهريين الذين جعلوا منبرهم منارة للدعوة الإسلامية.
ما دور الأزهر والأوقاف في إصلاح الدعوة؟
الأزهر والأوقاف لا يملكان إلا التوجيه والتعليم والتدريس، ولا يملكان عقل أو انتماء أو فكر أو ضمير الداعية، ولذلك كان كل من تخرج في الأزهر من الدعاة نجدهم يتمتعون بالوسطية والاعتدال، والبعد عن الغلو والتطرف والتشدد، ولكن الأوقاف عليها مسئولية كبرى فلابد أن تختار الدعاة بعناية شديدة ومن يستحق أن يكون داعية فقط.
هناك تجسيد للوحدة الوطنية في الأزهر كيف ترى هذا التجسيد؟
الوحدة الوطنية التي يجسدها الأزهر الشريف هو تجسيد للوحدة الوطنية التي أمرنا بها الإسلام وأمرنا بها الشرع، فالإسلام طالبنا بالتمسك بإخوتنا أهل الكتاب، وأن نشملهم بعنايتنا وأن يعيشوا بيننا كإخوة وأن نبرهم ونعدل معهم فالقرآن يقول: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يجب المقسطين" وإذا لم يكن التجسيد للوحدة الوطنية هو تجسيد لتعاليم الإسلام لما خرج لنا إلى النور بيت العائلة المصري، الذي يشجع على الوحدة الوطنية والذي يظهر الأزهر بأنه يشمل المسلم والمسيحي بين ذراعيه بلا تفريق كما أمرنا به الشرع الإسلامي.