كواليس انعقاد برلمان ثورة عرابي عام 1881 بعد توسيع صلاحياته الدستورية.. تسلح بترسانة قوانين تحاسب الحكومة وتخدم المواطن المصري.. والاحتلال يجهض التجربة في مهدها
في مثل هذا اليوم من عام 1881، انعقدت أول جلسة في البرلمان المصري بعد توسيع صلاحياته الدستورية وتمكينه من محاسبة الحكومة والوزراء وخوضه معارك ضارية في سبيل رفعة الوطن، ربما لهذا يثير أداء البرلمان الحالي الذي يختلف حول مواقفه الكثيرون ولاسيما في المواجهة مع الحكومة والانخراط في المشكلات والأزمات الحياة للمواطنين الغضب في نفوس الكثير من المصريين، إذ يرث تركة ضخمة من الحياة النيابية، خاصة أن مصر تُعرف بأنها مصدر أقدم القوانين الإدارية والتشريعية في التاريخ.
التقاليد الإدارية المصرية والشورى منذ فجر التاريخ
رغم إرهاق مصر بكل أنواع الاحتلال الذي تعاقب على البلاد، إلا أن المصريين احتفظوا بمعظم تقاليدهم وقواعدهم وأعرافهم حتى انتشار المسيحية، وتقاسمت الكنيسة إلى حد كبير استقرار العادات والتقاليد الداخلية.
في العصر الإسلامي، كانت الإدارة والتشريع تعتمد بشكل أساسي على القرآن والسنة وعندما أصبحت القاهرة عاصمة الخلافة الفاطمية (969–1171)، تطورت الإدارة والتشريعات واستمرت التجربة مع ظهور الدولة الأيوبية (1171–1250) أصبحت القلعة في القاهرة المقر الرئيسي ومركز السلطة، وتنوعت فيها المجالس التشريعية والقضائية، فهناك مجلس عدل وآخر يتعامل مع الشكاوى المقدمة وكذلك المعاهدات مع الدول الأجنبية
مع ظهور عصر المماليك (1250–1517) أقدم السلطان الظاهر بيبرس على بناء محكمة للعدل في قلعة صلاح الدين الأيوبي وجعل منها مقرًا حكوميا، وشملت مسؤولياتها إنفاذ القوانين، وحل النزاعات، والتفاوض مع الدول المجاورة.
وخلال الفترة العثمانية (1517-1805)، كانت المحاكم الإسلامية هي النظام القضائي المطبق. وفي المنازعات المدنية والجنائية، أصدر القضاة أحكامهم استنادًا مباشرة إلى مبادئ الفقه الإسلامي (الشريعة). واستمر هذا حتى نهاية القرن الثامن عشر.
ملامح البرلمان الحديث في مصر
في عام 1795، بعد ما يقرب من ست سنوات من الثورة الفرنسية، اندلعت انتفاضة سياسية كبرى تطالب بالحقوق والحريات والعدالة وتوحّدت القوى الوطنية والقيادة الشعبية دعمًا للمطالب الوطنية بالعدالة والمساواة والحرية.
ونتيجة للمقاومة المتزايدة للحاكم العثماني الوالي والمماليك، وجدت مصر نفسها على شفا انتفاضة شعبية، أدى ذلك إلى إصدار العلماء وثيقة تحدد العلاقة بين الشعب والحاكم، ومنع زيادة الضرائب دون موافقة ممثلي الشعب، وخاصة كبار الشخصيات العلماء.
تطورت التجربة مع عهد محمد على الذي أنشأ المجلس الأعلى في عام 1824، وكان البداية الحقيقية لمجلس تمثيلي أعضاؤه منتخبين جزئيًا ويمثلون جميع فئات الشعب، ومع حلول عام 1866 كان التطور الأهم في الحياة البرلمانية المصرية، حيث تم إنشاء مجلس الشورى للنواب على يد الخديوي إسماعيل.
وكان مجلس الخديوي إسماعيل هو الأول الذي يتمتع بوظائف تمثيلية، وتضمن نظامًا دائمًا لقواعد وإجراءات المجلس، وتألفت اللائحة من ثمانية عشر مادة حددت النظام الانتخابي ومتطلبات المرشحين والشروط التشريعية للمجلس. كما تضمن دراسة الشؤون الداخلية ورفع التوصيات إلى الخديوي وتأثر النظام الدائم والداخلي للمجلس بشدة بالنظام البرلماني الأوروبي الحديث وخاصة الفرنسي.
برلمان ثورة عرابي
واستمرت التجربة تنضج وتتطور حتى عام 1881، وتزامن ذلك مع اندلاع الثورة العرابية التي طالبت بإنشاء مجلس نواب وأجريت الانتخابات وفقا للأنظمة الصادرة عام 1866 وافتتح المجلس الجديد، المسمى مجلس النواب المصري وصدر مرسوم حكومي في 7 فبراير 1882، وبموجب هذا القانون الأساسي، يكون مجلس الوزراء مسؤولًا أمام مجلس تمثيلي منتخب شعبيًا، وله سلطة التشريع وتقديم الطلبات إلى الوزير. وكانت مدة ولاية مجلس النواب المصري خمس سنوات، ويستمر كل اجتماع ثلاثة أشهر.
نشط البرلمان المصري أنذاك بطريقة واكبت أعرق التجارب البرلمانية تقدما من حيث الصلاحيات الواسعة التي تمكنه من محاسبة الحكومة وإنهاء تكليفها حال التقاعس، لكن بعد الاحتلال الانجليزي تعثرت التجربة البرلمانية عددا من السنوات.
الأحزاب السياسية تساهم في تعزيز التجربة البرلمانية المصرية
كان ظهور الأحزاب السياسية في مصر خلال القرن التاسع عشر انعكاسًا للتفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فضلًا عن بعض الظروف التاريخية والوطنية والسياسية التي أدت إلى إنشاء وتطوير مؤسسات الحكم والمجتمع الحديثة، مثل البرلمان والوزارات والأحزاب السياسية والنقابات وغيرها، وكان هذا الظهور تدريجيًا ومرورًا بمراحل متتالية.
في عام 1907 تشكل أول حزب مصري على يد مصطفى كامل باشا، وفي أقل من عشر سنوات تأسس أحزاب شديدة التنوع؛ بطبيعتها وتشكيلها وتنظيمها وقوتها وقاعدتها الشعبية وبرامجها، كانت هناك أحزاب وطنية، وجماعات يهيمن عليها القصر الملكي، وأخرى تشكلها قوة الاحتلال، فضلا عن أحزاب أيديولوجية تعبر عن اتجاهات فكرية وسياسية.
كانت الأحزاب السياسية التي تم تشكيلها بالفعل في مصر بمثابة إشارة البداية لانتشار الأحزاب الجديدة؛ إلا أنها كانت محدودة بسبب الاحتلال البريطاني وخضوع مصر للإمبراطورية العثمانية، لكن في فبراير 1922تم إعلان استقلال مصر من جانب واحد واعتماد دستور 1923 الذي أدى إلى إنشاء حكومة دستورية ملكية تقوم على التعددية الحزبية ومبادئ الديمقراطية الليبرالية.
لم يصمد دستور 1923 كثيرا أمام رغبات الانفراد بالسلطة والنفوذ، وتم استبداله بدستور عام 1930 لمدة خمس سنوات، ثم أعيد العمل به في عام 1935 تحت الضغط الشديد للجماعة الوطنية، واعتمد النظام التمثيلي البرلماني القائم على الفصل بين السلطات والتعاون فيما بينها، وكان البرلمان نظام من مجلسين الشيوخ والنواب.
وشهدت مصر خلال الفترة من 1923 إلى 1952 تجربة رائعة ثرية بالممارسة السياسية والديمقراطية، إلا أن هذه التجربة اتسمت أيضا بالعديد من النقائص، مثل التدخل الأجنبي في الشئون المصرية، وكذلك تدخل القصر الملكي في الحياة السياسية ولهذا تدهورت الأوضاع الدستورية لأسباب داخلية وخارجية. وانعكس هذا التدهور على حالة من عدم الاستقرار السياسي والحكومي، ونتج عن ذلك تشكيل 40 وزارة في مصر بين عامي 1923 و1952.
برلمان مصر بعد ثورة 1952
وفي عام 1956، أُعلن دستور جديد، نص على تشكيل مجلس الأمة في 22 يوليو 1957 من 350 عضوًا منتخبًا.، إلا أنه ظل ساري المفعول حتى 10 فبراير 1958، عندما دخل اندماج مصر وسوريا حيز التنفيذ وإلغاء دستور 1956.
وفقا لدستور الجمهورية العربية المتحدة تمت صياغة دستور مؤقت في مارس 1958، لإنشاء مجلس وطني موحد وتم تعيين أعضائه 400 مصر ـ 200 سوريا، وعقد الاجتماع الأول في 21 يوليو 1960 واستمر حتى 22 يونيو 1961. وتم تقسيم مصر وسوريا فيما بعد في 28 سبتمبر 1961.
في مارس 1964، تم اعتماد دستور مؤقت جديد تم الإعلان عنه، مما أدى إلى ولادة 350 عضوًا منتخبًا في الجمعية الوطنية، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين - استجابة للقوانين الاشتراكية التي صدرت في يوليو 1961، بالإضافة إلى 10 أعضاء معينين من قبل رئيس الجمهورية، ثم أجريت انتخابات جديدة في 20 يناير 1969، واستمر المجلس في منصبه حتى 30 أغسطس 1971.
برلمان دستور 1971
أُعلن الدستور لتجديد النظام التمثيلي الديمقراطي من خلال إرساء سيادة القانون واستقلال القضاء والتعددية الحزبية. وكانت هناك تغيرات ديمقراطية متنامية، أدت إلى إجراء انتخابات شرعية على أساس متعدد المحافل في الاتحاد الاشتراكي العربي، وهو التجمع السياسي الوحيد في ذلك الوقت.
ووفقًا لدستور عام 1971، كان البرلمان المصري مكونًا من مجلسين، مجلس الشعب المصري، ومجلس الشورى والذي يتكون من 454 عضوًا، من بينهم عشرة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية، وأجريت تعديلات دستورية عام 1980 مرة آخرى وسعت من صلاحيات البرلمان لكنه افتقر إلى القدرة على تحقيق التوازن الفعال بين سلطات الرئيس.
وفي عام 1980، تم إنشاء مجلس الشورى لتوسيع نطاق المشاركة السياسية والديمقراطية، وتم تعديل النظام الانتخابي لمجلس الشعب بمراسيم لضمان أفضل تمثيل ممكن للشعب.
في عام 1983، تم اعتماد القائمة الحزبية والتمثيل النسبي كعملية انتخابية تشارك فيها الأحزاب السياسية، وفي عام 1986، صدر قانون يغير العملية الانتخابية، وهو أساس ربط القوائم الحزبية بنظام الأغلبية الفردية إلا أن التجربة أدت إلى العودة إلى نظام الأغلبية الفردية في عام 1990 وجرى تقسيم الجمهورية إلى 222 مقاطعة، بواقع عضوين من كل منطقة، وواحد على الأقل من العمال والفلاحين.
برلمان ما بعد مبارك
تم حل البرلمان عدة مرات بعد الإطاحة بمبارك؛ أولًا بواسطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في عام 2011، ثم أعيد بقرار من الرئيس الأسبق محمد مرسي عام 2012، ليتم حله بقرار من الرئيس عدلي منصور عام 2013 بعد الثورة على حكم الإخوان وإسقاط مرسي عن الحكم، واستمر البرلمان شاغرا لمدة تقترب من ثلاث سنوات.
في أكتوبر - ديسمبر 2015 تم إجراء الانتخابات لاختيار برلمان جديد مجلس النواب، وتكليف البرلمان المنتخب بمراجعة القوانين التي تم إقرارها أثناء عدم انعقاد البرلمان، ونفس الأمر بالنسبة لبرلمان 2020 المستمر حتى الآن.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.