انتصارات وتحولات
وقع خلال الأربع والعشرين ساعة الماضي تحول لا يجوز إغفاله في موقف البيت الأبيض الأمريكي بشأن استمرار إسرائيل في شن الحرب على المدنيين الأبرياء في غزة، وفي الضفة الغربية، واعتبر بايدن في كلمة له أن نتنياهو يجب أن يغير حكومته، وأن بايدن أرسل جيك سوليفان مستشار الأمن القومى إلى إسرائيل، رغم أن وزير الخارجية بلينكن كان في زيارة قريبة لها.
وهو ما يعني أن رسائل بايدن لإسرائيل لم تلق الآذان الصاغية داخل حكومة الحرب المتطرفة، والتى يتحمل بايدن عواقب فشلها العسكرى في مواجهة حرب العصابات التي تشنها بنجاح فصائل المقاومة، حماس بذراعها العسكرى القسام، والجهاد بسرايا القدس.
ويخشى نتنياهو ومجلس الحرب المصغر أن تكون الرسالة الأخيرة يحملها جيك سوليفان هي الموعد النهائي لإيقاف القتال وإنهاء الحرب خلال أسبوعين قبل بدء عام الانتخابات الرئاسية 2024.
وقعت تطورات متلاحقة في الأيام الثلاثة الأخيرة في ساحات القتال داخل غزة أبرزها تصاعد أعداد القتلي والجرحى من مختلف الرتب العسكرية العليا في صفوف القوات الإسرائيلية المتوغلة، بسبب براعة المقاومة في تخطيط الكمائن وحسن تنفيذها.
ويتزامن استمرار مشاهد الأكفان لضباط وجنود الجيش مع تصاعد ضغوط داخلية وإنقسام في مجلس الحرب، وهجوم عنيف من لابيد زعيم المعارضة، الذي كشف أن نتنياهو يقود إسرائيل وجيشها إلى خسائر يومية ليحمي مصالحه السياسية وليستمر في موقعه، وهو الموقف ذاته الذي تبين أخيرا للادارة الامريكية، التى ترى في رئيس الوزراء الحالي ساعيا إلى صدام معها.
انتصارات المقاومة الفلسطينية
لم تكن الانتقادات والضغوط الدولية مصوبة نحو إسرائيل فحسب، بل تتعرض إدارة بايدن إلى إنقسام داخل الحزب الديمقراطي، وداخل موظفي الخارجية الأمريكية الذين عبروا عبر قناة المعارضة داخل الوزارة عن رفضهم لتأييد الحكومة الأمريكية بلا شروط لإسرائيل، وعن الموقف الداعم لها مما أساء إلى سمعة الولايات المتحدة.
وقناة المعارضة الداخلية هذه تأسست إبان الحرب علي فيتنام، ويسمح فيها لموظفي الخارجية من الدبلوماسيين بالتعبير عن مواقفهم ومخاوفهم السياسية دون الكشف عن هوياتهم.
انتصارات المقاومة كشفت ضعف الجيش الإسرائيلي وقياداته، وعدم استعداده، وأن عملياته عشوائية، وبلا هدف سوى الإنتقام، كما قادت انتصارات المقاومة واستشهاد الآلاف، وإصابة أكثر من خمسين ألف فلسطيني، وصمود شعب غزة والضفة، إلى اعتراف يبدو غريبا علي الخارجية الأمريكية، ففي بيان لها قالت: "لا يمكن هزيمة فكرة بساحة المعركة، ويجب تقديم إجابة لتطلعات الشعب الفلسطيني مع نهاية الصراع".
أخيرا آمنت الإدارة الأمريكية أن حماس وفصائل المقاومة فكرة وعقيدة مقاومة ترفض الاحتلال، وهذا التصريح سوف تردده بنغمات وتنويعات مختلفة عواصم الظل الأمريكي في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا.
هناك إذن حصار عالمي للموقف الأمريكي، والموقف الإسرائيلي، وتصاعد لنداءات وقف النار، ويمكن القول أن بايدن بات يعتقد أن اسبوعين آخرين لن يفيدا إسرائيل في هدف إنهاء المقاومة، مع النظر إلى نزيف الجيش الإسرائيلي اليومي في شوارع غزة ومحاورها من الشمال إلى الوسط إلى الجنوب.
وفي كل الأحوال سيجد الديمقراطيون أنفسهم مطالبين باتخاذ موقف يرمم أو يعالج الصدع الهائل في صفوف الشعب الأمريكي، وبخاصة وسط الشباب، ولن ينجح في ذلك، ويتحين الجمهوريون الفرصة.. وترامب يهودي، بل هو جد لأحفاده من أب يهودي، ومن ثم فهو أكثر صهيونية من بايدن!