تفاصيل صغيرة غير خطيرة في المشهد التدميري
يمكن ملاحظة مسارين في مقاربة البحث عن حل للمسألة الفلسطينية الإسرائيلية، المسار الأول أمني عاجل له هدفان أيضا، والمسار الثاني سياسي استراتيجي.. الأمني العاجل يتعلق باجتماعات الدوحة التي تدور بين قادة المخابرات المصرية والموساد والسي اي ايه والمخابرات القطرية، وهذه الاجتماعات في حقيقة الأمر مفاوضات لها بدورها شقان..
الشق الأول خاص بتمديد الهدن، لتصير إلى هدنة ممتدة لخمسة أيام ما بقى لدي المقاومة رهائن مدنيون، والشق الثاني، وهو الأهم والأخطر، توسيع مجال الاتفاق لتحول الهدن إلى وقف لإطلاق النار ورفع الحصار عن قطاع غزة، في إطار مبادلة كل الأسرى مقابل كل الأسرى لدى الطرفين..
وصحيح أن متحدثا باسم الحكومة الإسرائيلية بادر بنفي صيغة الكل مقابل الكل، لكن اجتماعات الدوحة تسعى بدعم أمريكي ضاغط إلى إتفاق أمني أوسع نطاقا كما ذكرت، هذا فيما يتعلق بالمسار الأول بشقيه، أما المسار الثاني فهو أيضا له شقان، وكلاهما يخرجان من البيت الأبيض ومن الخارجية الامريكية..
حل الدولتين
وكلاهما أيضا نتج عن ضغوط الشارع الأمريكي بمظاهراته الضخمة الصارخة بقوة، وعن ضغوط تأنيب الضمير لدى عدد لا بأس به من كبار موظفي الخارجية الأمريكية فضلا عن مشرعين في الكونجرس، بينهم نواب ديمقراطيون، أي من نفس الحزب الذي ينتمي إليه بايدن.
المسار الأول هو بذل جهود جدية لتنفيذ حل الدولتين لضمان أمن إسرائيل ورد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والقدس الشرقية.. وكما قلت فإن هذا المسار له شقان، الأول هو استمرار الدعوة إلى حل الدولتين دون تحديد آلية عاجلة لتحقيق هذا الحل، بهدف استهلاك الوقت وتبريد المنطقة، حتى تتبدد قوة التعاطف الدولي والشعبي الضاغطة علي واشنطن والاتحاد الأوروبي..
كما أن الهدف من استمرار دعوة الامريكان للآخذ بحل الدولتين هو معالجة التدهور في شعبية بايدن وفق آخر الاستطلاعات، وخصوصا في صفوف الشباب الأمريكي الذي رأى حقيقة اسرائيل البشعة، ونازيتها في قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير نصف غزة..
خسائر إسرائيل
أما الشق الثاني الذي تتبعه إدارة بايدن فهو السماح لنتنياهو علنا بأن يستأنف حملته على الجنوب من غزة، بشرط أن تكون ضربات الجيش دقيقة وعلى الأهداف العسكرية للمقاومة، والنزول بإصابات المدنيين إلى الحد الأدنى..
يعني ستكون اصابات المدنيين حتمية كأثر جانبي لكنها لن تكون ولا يجب أن تكون ضخمة كما في المرحلة الأولى التى أدت إلى ثورات في شوارع الغرب ضد حكوماتهم الضالعة في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني..
تمنح واشنطن نتنياهو وحكومة التطرف والإرهاب حق استئناف الحرب، بينما تعمل عميقا في قطر مع أجهزة مخابراتها ومصر وإسرائيل علي البحث عن اتفاق دائم لوقف النار، تحت إسم هدن ممتدة..
لو وافقت إسرائيل علي الاسم الحقيقي للهدن الممتدة، وهو وقف إطلاق النار، لانحلت حكومة نتنياهو وسقطت فورا ولتبادلوا الاتهامات والمحاكمات، لآن وقف النار يعني الإعلان الرسمي عن فشل الحملة العسكرية الإرهابية للجيش الإسرائيلي، وانتصار المقاومة المسلحة.
قد تكون إسرائيل انتصرت على المدنيين والمباني، لكنها بالتأكيد لم تحقق اهدافها المعلنة بالقوة وأولها القضاء علي حماس وتفكيكها، وبناء منظومة أمنية تخدم إسرائيل.. لم يتحقق هدف واحد من هذه الأهداف، وخسائر إسرائيل موجعة، وهي تخفيها ورقم الألف ضابط ومصاب رقم تجميلي..
الوقت يعمل ضد بايدن لقرب دخوله في العام الانتخابي الرابع، والاقتصاد المتآكل في إسرائيل يعمل ضد استئناف الحرب، وهروب جنود وقادة سرايا عسكرية من ساحة القتال أمام المقاومة، باعتراف إسرائيل، عدوى قابلة للتوسع.. ونتابع المشهد بتقلباته ونيرانه.