وماذا بعد حرب غزة؟!
وماذا بعد انتهاء الحرب في غزة اليوم أو غدا، ولا بد من أن تنتهي، أراد الكيان الإسرائيلي أو لم يرد؟ ترى مصر منذ مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات وقبل قمة بيروت العربية بسنوات طويلة أنه لا حل لهذا النزاع إلا بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب الكيان الصهيوني.
ومع المراوغات الإسرائيلية تقلص حدود الحلم، لأن الحقيقة التي لا بد من إدراكها ونعمل على أساسها أن هذا الكيان لا يريد فلسطين فحسب، وإلا كان قد حدد حدوده بفلسطين، لكن الحدود المفتوحة غير المحددة والخريطة المعلقة في الكنيست الإسرائيلي تعلن ذلك بصفاقة ووضوح لا لبس فيه!
وإذا كان هدفهم التهام كل أو على الأقل أجزاء من دول الجوار.. فكيف سينفذون مطالبنا بإقامة الدولتين؟ هم يراوغون ومعهم الأمريكان والأوربيون.. يخادعوننا لكسب الوقت، وأذكركم بما روج له الرئيس الأمريكي الأسبق الابن جورج بوش في التمهيد وأثناء حرب العراق بالدعوة والترويج لإقامة دولة الفلسطينية حتى يكسب الدعم الشعبي العربي لاحتلال العراق، ثم تبخرت الوعود بعد أن تحقق الهدف..
وتكرر بيع الوهم أثناء حرب لبنان والانتفاضة الفلسطينية وحرب غزة منذ سنوات، والآن يكرر الرئيس الأمريكي بايدن المشهد في تغير كاشف وفاضح لموقفه في أيام، استمرارا لسيناريوهات الوهم الأمريكي والمناورة السياسية لدغدغة المشاعر العربية..
أعلن في البداية عن صهيونيته وإدارته وفتح مخازن السلاح الأمريكي أمام جيش الكيان الصهيوني، وحرك أساطيله لتنفيذ مخططاته، ثم يحاول بايدن الآن استغلال ضعف الذاكرة العربية قائلا في منشور على تويتر: "حل الدولتين هو السبيل الوحيد لضمان الأمن على المدى الطويل للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء، ولضمان تمتع الإسرائيليين والفلسطينيين بقدر متساو من الحرية والكرامة، لن نتوانى عن العمل لتحقيق هذا الهدف".
وتوقفوا معى عند جملة: على المدى الطويل، لتكتشفوا الوهم! طبعا يبيع لنا الوهم الآن حتى يتم الإفراج عن الرهائن وتدمير غزة بالكامل وقتل أهلها وأهل الضفة الغربية إن أمكن! والسؤال كيف سيكون المشهد بعد انتهاء الحرب على غزة؟!
على الجانب العربي الرهان علي إقامة دولة فلسطينية بمباركة إسرائيلية وجهود أمريكية.. وهم كبير! وعلى الجانب الإسرائيلي ستستمر آلة الكذب في إنتاج أكاذيب ومماطلات جديدة حتى يتم القضاء على حماس، ومن بعدها الضفة الغربية لتبدأ مرحلة جديدة بتمدد السرطان الصهيوني إلى دول الجوار.
وطن ترانزيت
مع إطلاق الهدنة وفتح معبر رفح بدأ دخول المساعدات الإنسانية وإجلاء الجرحى والعالقين الحاملين للجنسيات المزدوجة وفي نفس الوقت بدأ فرار العديد من الإسرائيليين بعد اندلاع الحرب! ومع ذلك كان المشهد الذي توقفت عنده هو وجود طوابير من أهل غزة قادمين من الخارج، ويريدون الدخول إلى غزة، يعنى إلى الجحيم والقصف الصهيوني، وفي نفس الوقت لم يخرج من أهل غزة أحد!
بماذا تفسرون ذلك إلا أن شعب فلسطين هو صاحب الأرض الحقيقي وليس شعب ترانزيت، فلسطينيون يعودون للموت فيها وليس الفرار منها، لأن السفر منه وتحت ضغط الحاجة ليس هروبا!
المشهد الثاني الذي توقفت أمامه بعد انطلاق الهدنة توجه الفلسطينيين المحتمين بالمستشفيات وغيرها في وسط وجنوب غزة إلى بيوتهم وأحيائهم المهدمة في شمال غزة مشيا على الأقدام رغم تعرضهم للقتل من قبل جنود الاحتلال الذي يرفضون عودتهم إلى بيوتهم ووسط سيل من المنشورات الإسرائيلية التي تحذرهم من العودة..
هو الحلم الذي لا يموت والوطن الذي لا يغادرنا ولا نغادره بعكس من استقدموهم من بلاد العالم لاستمرار مسلسل اغتصاب وسرقة وطن وقتل أهله!
شعب مزدوج الجنسية
توقفت عند رأى أحد المحللين الغربيين برفض المقارنة بين المحتل الفرنسي للجزائر والمحتل الصهيوني لفلسطين بقوله، القوات الفرنسية حين غادرت الجزائر عادت إلى فرنسا لكن إلى أين يعود الإسرائيليون؟!
الإجابة بسيطة.. يعودون إلى بلادهم التى جاءوا منها، فلا يعقل أن يكون شعب كيان بالكامل مزدوج الجنسية مثلما هو حادث في إسرائيل، وليس الأمر فحسب بل هناك العديد من الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا عرضت أكثر من 3 ملايين جنسية جديدة لمواطني إسرائيل الآن تعويضا لهم عن وهم محارق هتلر!
وإذا كان بعض الفلسطينيين قد أجبروا على حمل جنسيات ثانية اضطرارا أو تنفيذا للمخطط الغربي بتجنيسهم بجنسيات ثانية حتى ينسوا وطنهم.. فحرب غزة كشفت المشاعر الحقيقية بدليل وجود آلاف الفلسطينيين من مزدوجي الجنسية في غزة، يعنى لم ينسوا وطنهم الساكن فيهم..
والمفارقة هنا أن الدول الأجنبية التي يحملون جنسيتها الثانية يبذلون قصارى جهدهم لاخراجهم من غزة، وتخيلوا معى الكوميديا السوداء، إذا كان الابن أو الابنة يحملان الجنسية الفرنسية مثلا فإن فرنسا تسعى لاخراجهما بينما الأب أو الأم أو الأخوات يموتون تحت القصف ولا يجدون من يحميهم داخل غزة أو خارجها!
وعلى الجانب الإسرائيلي.. المستوطنون المحتجزون لدى حماس جاءت دولهم الأصلية للتفاوض لإطلاق سراحهم بل إن التوصل إلى الهدنة وتأجيل القتل لأكثر من 2 مليون ونصف كان من أجل عيون نحو 250 رهينة.
والسؤال الآن بعد انتهاء هذه الحرب.. هل لنا أن نطالب ونقود حملات عالمية ضد مزدوجي الجنسية في إسرائيل فلا يعقل أن تصمت هذه الدول على قيام مواطنيها بالقتل لأهل فلسطين ثم يتحركون لإنقاذهم إذا قتلوا أو أسروا مثل شاليط أو باروخ جولدشتاين الأمريكي المولد والجنسية، الذي هاجر إلى إسرائيل عام 1991 ونفذ مذبحة الحرم الإبراهيمي.. ولا أحد يقترب منه لأنه أمريكي الأصل!!
yousrielsaid@yahoo.com