مع تصاعد أزمة جنون الأسعار
إقالة مسئول حماية المستهلك لا تكفي
يأتى إقالة الرئيس التنفيذي لجهاز حماية المستهلك وحماية المنافسة اعتراف صريح الأزمة الحادة التى تعيشها أسواقنا المحلية، والارتفاعات الجنونية وغير المبررة التى تشهدها معظم السلع استهلاكية ومعمرة على حد السواء.
وبداية اعتراف الحكومة بوجود أزمة خانقة في حركة البيع والشراء بالأسواق وغياب أى شكل للرقابة وحماية المستهلكين من جشع التجار، واستغلال الموقف وحالة السداح مداح التى تعم الأسواق حاليا بفرض أسعارهم على الكيف، وبصورة عشوائية غير مسبوقة أصاب المواطنين بحالة اختناق وغضب مكتوم حتى الآن ليس له مثيل فى أية فترات سابقة، حتى أثناء حقبة الحروب التى مرت على بلادنا في النصف الثانى من القرن الماضي.
دور الأجهزة الرقابية المفقود
مع الارتفاعات الجنونية والعشوائية المتتالية خلال فترة زمنية قصيرة جدا دمر ميزانية الاسرة المصرية خاصة الأسر محدودة ومتوسطة الدخل، وستكون له آثار اقتصادية حادة أيضا إلى جانب آثاره الاجتماعية المرصودة، والتى تتفاقم يوما بعد يوم في ظل بطء التحرك الحكومى وشعور الناس بعجز أجهزتها الرقابية وقبلها الأجهزة التنفيذية المعنية على المواجهة.
يتساءل الناس أين وزارة التموين.. أين جهاز حماية المستهلك.. أين الوزير المسؤول عن التجارة الداخلية.. أين اتحادا الغرف التجارية والصناعية.. أين رجال الضبطية القضائية؟!، الجميع نيام لا أحد يسمع لهم صوت.. والأزمة تتفاقم وتستفحل.. وأحالت حياة الناس إلى جحيم..
ألا يشاهدون تنامى ظاهرة التسول وانتشار الشحاتين في الشوارع والميادين، ومعها تنامى جرائم السرقات بأنواعها في المدن والأرياف والأمر مرشح بقوة للتصاعد في الأيام المقبلة ما لم تقابل الأزمة بتحرك سريع لدراسة أوجه الأزمة الحادة من كل جوانبها، ووضع حلول وأولها مكاشفة الناس بالحقائق والحلول الممكنة قصيرة وطويلة الأجل..
الناس باتوا في حالة رعب على مستقبل أولادهم ليس فقط من الارتفاع الجنونى لأسعار الطعام والمواصلات والملابس وكل الخدمات لمستويات قياسية غير مسبوقة.. ولكن الأخطر والأهم الذى بات يؤرق الأسرة المصرية حاليا ويقضي مضاجعها الارتفاع الجنونى لأسعار السكن في بلادنا وبمعدل يزيد على 300% خلال شهور قليلة..
أزمة ارتفاع الأسعار
حتى باتت أسعار تمليك أى شقة بائسة فى حى شعبى تفوق المليون جنيه وإيجار أى شقة في منطقة ولو عشوائية يتجاوز الخمسة آلاف جنيه في مقابل دخول لعموم الناس خاصة أصحاب الدخول الثابتة من المرتبات وما فى حكمها ثابتة ومستقرة منذ سنوات، بل فى قطاعات واسعة جدا تراجعت كثيرا متأثرة بحالة الركود الاقتصادي الحاد.
أزمة أسعار السكن حاليا كارثة اجتماعية بكل المقاييس ستكون لها آثار مجتمعية مدمرة في المستقبل القريب ما لم تتحرك الحكومة بصورة عاجلة لدراسة علمية عادلة توازن بين متوسطة الأجور لعموم الأسرة المصرية وما بين أسعار السوق العقارى الحالية.
خاصة بعد أن استحوذ القطاع الحكومى على إنتاج تلك السلعة الاستراتيجية وأخرج قطاع المقاولات الأهلى من السوق بالقيود الحادة التى فرضها خلال العامين الماضيين بدلا من معالجة سلبيات العمل في هذا القطاع الحيوي والهام التى مر بها على مدى سنوات طويلة.. علاج قطاع المقاولات الأهلى وليس قتله، كان أفضل.
ألا تعلم الحكومة أن قطاع المقاولات الأهلى رغم العشوائية الرهيبة التى سادت عمله خلال عقود طويلة، كان هو المسؤول وحده عن تحمل عبء توفير السكن للقطاع الأكبر من الشعب محدود الدخل على مدى أكثر من نصف قرن.
والحقيقة التى تتجاهلها الحكومة عند محاسبة هذا القطاع على أخطائه أنها هى وأجهزتها في الحكم المحلى المحكوم عليه بالفساد شعبيا ورسميا، أيضا كانت المسؤول الأكبر عن ما شهدناه من مصائب فى عقارات البناء الأهلى.
الحقيقة أنه في غياب دور الحكومة في أي مجال يخص توفير أى سلعة أو خدمة سواء كان هذا الدور إنتاجى أو تنظيم أو ترويجي سيملأ الفراغ القطاع الأهلى وهنا الدور الواجب على الحكومة يكون تنظيميا بأجهزتها المعنية حتى ترشد عمله، ولا تستفحل سلبياته على غرار ما حدث أيام انفتاح السداح مداح أو شركات توظيف الأموال.
وفي أزمة الأسعار الحالية لا يكفى إقالة مسئول حماية المستهلك هو مجرد حلقة في منظومة الرقابة الواجبة على الأسواق.. أين وزير التموين وأجهزته.. أين وزير التجارة الداخلية.. وأين وزير الزراعة وماذا عن دور اتحادات الغرف التجارية والصناعية؟!
جميعهم مسئولون عن الأزمة ولابد أن يتحملوا مسئولية توفير الحل، وإلا تكون إقالتهم واجبة ومطلب شعبى.. لله الأمر من قبل ومن بعد.