خور عبدالله.. بصمات لا تخطئها العين
التزمت الحكومة العراقية الصمت، رغم تحرك الكويت في أكثر من اتجاه ضد قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق، إلغاء اتفاق الحدود البحرية بين البلدين في خور عبدالله، المعمول به منذ 10 سنوات لعدم دستوريته.
يقع خور عبدالله أقصى شمال الخليج بين جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين، وشبه جزيرة الفاو العراقية، ويمتد داخل الأراضي العراقية، ما أدى إلى تشكيل خور الزبير، الذي يقع به ميناء أم قصر العراقي.
كانت الحدود البحرية بين البلدين نقطة خلاف دائمة، وبعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وافقت بغداد على الاعتراف بالحدود البرية فقط بين البلدين، وظلت الحدود البحرية محل خلاف، لرغبة العراق في ترسيم يضمن له الوصول إلى بحر الخليج لأهميته الاقتصادية البالغة.
ليس بالإمكان إغفال تأثير بعض الأحداث الأخيرة على إلغاء الاتفاقية بين البلدين رغم سريانها منذ عقد كامل، ومؤكد أن العين لا تخطئ بصمات إيران فيما يحدث، خصوصا أن خلافا إيرانيًا كبيرًا حصل الفترة الماضية مع الكويت والسعودية على التنقيب عن الغاز في حقل الدرة المتنازع عليه منذ سنوات..
وطالبت إيران بحصة من الحقل قدرتها بـ 40 في المائة، لن تتنازل عنها، ورفضت الموافقة على ترسيم الحدود البحرية مع الكويت قبل الإقرار بحقها في الدرة، كما اعتبرت بدء السعودية والكويت التنقيب عن الغاز في الحقل فرض لأمر واقع، وبدأت هي الأخرى التنقيب مثلهما، ولامت الكويت لأنها ترسل إشارات متناقضة بعد توقيعها اتفاقا ثنائيا مع السعودية لاقتسام ثروة حقل الدرة عن طريق شركة استثمار مشتركة بينهما، متجاهلة الحق الإيراني فيه.
إلغاء الترسيم البحري
براعة إيران في التفاوض لاقتناص ما تريد بتحريك أذرعها في الدول العربية التي تسيطر عليها، جعلتها تدفع أحد نواب البرلمان العراقي عن كتلة موالية لميليشيا كتائب حزب الله المدعومة من إيران، لرفع دعوى إلغاء اتفاقية خور عبدالله بين العراق والكويت، وهي الدعوى التي استندت عليها المحكمة الإتحادية العليا وقررت إبطال الإتفاقية.
وبقرار المحكمة الاتحادية العراقية، أصبحت الكويت طرفًا في نزاع حدودي بحري مع إيران والعراق معًا، لكن تحركها المكثف ركز على إلغاء اتفاقية خور عبدالله مع العراق باعتبار أن الترسيم البحري مع إيران لم يتم من الأساس بينما الترسيم مع العراق معمول به منذ 10 سنوات ومودع لدى الأمم المتحدة.
لم تكتف الكويت باستدعاء السفير العراقي وتسليمه مذكرة احتجاج على إلغاء الترسيم البحري، بل اجتمع وزير خارجية الكويت بنظرائه في مجلس التعاون الخليجي لتنسيق الموقف الموحد، ودعا المجلس الوزاري الخليجي، العراق إلى "اتخاذ خطوات جادة لمعالجة الآثار السلبية المترتبة على حكم المحكمة الاتحادية العليا وما تضمنه من حيثيات تاريخية غير دقيقة خارج السياق، لأن هذه التطورات لا تخدم العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتخالف المواثيق والاتفاقيات الدولية".
وأحاط وزير خارجية الكويت، مسؤولي الخارجية الأميركية بحيثيات الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق، وما تضمنه من مغالطات وإساءة للكويت، وأبدت الخارجية الأميركية تفهمها لموقف الكويت تجاه الحكم، وأكدت على التزام الولايات المتحدة بأمن وسلامة الكويت واحترام سيادتها على أراضيها ومياهها الإقليمية.
استنكرت الكويت عبر وزير خارجيتها حيثيات حكم المحكمة الاتحادية العليا في العراق، بشأن اتفاقية خور عبدالله، خلال مشاركته في أعمال الدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث اتسعت دائرة اجتماعاته مع نظرائه من دول العالم والمسؤولين في الأمم المتحدة لحشد الدعم لموقف الكويت..
موضحًا إن الكويت تستنكر مضمون الحكم الذي تضمن سردًا تاريخيًا مليئًا بالمغالطات، ونستغرب تضمين حكم خاص باتفاقية فنية بحتة سردًا تاريخيًا مطولًا عن الكويت يمتد من سنة 1546 وحتى 1990، وأصبحنا بعد أكثر من 30 سنة على غزو الكويت نسمع نفس اللغة من الجانب العراقي، بالإضافة إلى محاولة إسقاط التصديق على الاتفاقية، الذي تم من السلطتين التشريعيتين في البلدين، وتم إيداعها في الأمم المتحدة.
في مقابل تحركات الكويت وصمت حكومة العراق، تمسكت المحكمة الاتحادية العليا بقرارها إبطال اتفاقية خور عبدالله، وردت على من وصف الحكم بالمسيَّس، بأن مجلس قيادة الثورة المنحل المختص بالمصادقة على الاتفاقات الدولية لم يعد له وجود، كما أن نوع نظام الحكم ومؤسساته وصلاحيات تلك المؤسسات اختلفت بشكل كامل، وأصبح كل ذلك مؤسسًا وفقًا لدستور جمهورية العراق، الذي استندت إليه في إبطال الاتفاقية، وعليه فإن استمرار العمل بالإتفاقية مع الكويت يمثل انتهاكًا للدستور وخيانة عظمى.
وأوضحت المحكمة أن حكومة نوري المالكي، مررت الاتفاقية رغم الاعتراضات البرلمانية الكثيرة ووافقت عليها بأغلبية بسيطة، في حين نص الدستور على أن المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسَّن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.