الخريطة السياسية للسودان بعد الحرب.. اتهامات متبادلة بين القوى المدنية.. والإخوان وفلول نظام البشير أبرز اللاعبين على الساحة
رسمت الحرب المستعرة خريطة جديدة للسودان، فمن المنتظر أن تتغير مواقع القوى ومناطق نفوذها.
ولا تتوقف الاتهامات المتبادلة بين ما سميت "قوى الثورة السودانية" التي تشمل كيانات سياسية ومهنية ومجتمعية عدة وتنظيمات الحركة الإسلامية "الإخوان" بخاصة عناصر النظام السابق حول من أشعل فتيل الحرب المندلعة منذ منتصف أبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل من المدنيين ونزوح وتشريد قرابة الأربعة ملايين داخل السودان وخارجه.
جدال لا يهدأ في مواقع التواصل الاجتماعي في شأن من يدعون إلى استمرار حرب السودان لتحقيق مكاسب سياسية عبر المؤسسة العسكرية، مع النظر إلى المستقبل السياسي للبلاد ما بعد الحرب.. فكيف ينظر المراقبون إلى واقع السودان الجديد في ظل التعقيدات التي صاحبت المعارك وإفرازاتها خصوصًا من ناحية انقسامات المجتمع سياسيًا وفكريًا وقبليًا؟
القيادي في حزب الأمة القومي السوداني عروة الصادق يؤكد أنه "من الواضح أن قيادات النظام السابق وعناصره بواجهاته الحزبية ومكونات الحركة الإخوانية المختلفة لا يلتفون حول الجيش كمؤسسة بل قيادته ويمارسون الابتزاز عليها لتنفيذ مصالحهم السياسية وتحقيق مآربهم السلطوية".
المعادلة السياسية بعد توقف المعارك
وأشار إلى أنه "لتحقيق ذلك يبذل الإخوان كل ما في وسعهم وجهدهم لدعم التحشيد اللازم لصالح الحرب وعدم إيقافها، لأن أي معادلة سياسية بعد توقف المعارك لن يكونوا ضمنها بسبب تأجيجهم هذا الصراع، ومؤكد أن أي مؤسسة مقبلة إذا حققت في اندلاع الحرب ستشير بأصابع الاتهام إلى أضابير الإخوان، وهو أمر لا يريدونه، فهم مع أي سلطة قابضة مهيمنة ولو استبدت بهم بشرط أن تحركها أياديهم الخفية".
ويقول الصادق: "نحن كقوى سياسية داعمة للثورة السودانية التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019 لا نريد تصفية الوجود السياسي لجماعة الإخوان، بل نريد منها إجراء مراجعات سياسية وفكرية يمكن أن تحجز لها مقاعد في المستقبل، فهناك نماذج حدثت لتيارات مشابهة في عديد من الدول كالمراجعات الإخوانية في تركيا والتي تحولت من الفضيلة إلى الرفاه إلى التنمية والعدالة، وكذلك حزب عبدالفتاح مورو ومجموعة راشد الغنوشي في تونس وغيرها من الجماعات التي تراجعت عن تشددها".
المؤتمر الدستوري
وأضاف: "هذه الجماعة الإسلامية إذا أتت بها الانتخابات في مرحلة لاحقة فأهلًا وسهلًا، وهناك قضايا لا يمكن أن تعزل منها كطيف سياسي، وهي قضايا المصير المشترك والثوابت الوطنية وغيرها، فجميعها سيتم مناقشتها في المؤتمر الدستوري المزمع عقده حال عاد الناس إلى عملية سياسية، لكن لا يمكن أن تستصحب في أي عمل انتقالي قبل تصفية دولة التمكين لصالح الوطن وتفكيك منظومتهم الحزبية داخل المؤسسات القومية".
ويشدد على ضرورة "تجريد منظومة دولة التمكين من الأموال التي امتلكوها بغير وجه حق، إضافة إلى استرداد كل الأصول التي هربوها إلى الخارج، والأموال التي نهبوها، فهذه هي الخطوات التي يمكن أن تحجز للتنظيم الإخواني مقعدًا في المستقبل".
عمليات مناورة
وأكد: "أما غير ذلك فستكون عمليات مناورة وإغراق لأي عمل سياسي، وحتمًا فهم الآن أي الإخوان يعرقلون الوصول إلى أي تسوية أو وقف إطلاق نار طويل الأمد من طريق التحشيد الطويل لاستدامة الحرب، فهناك استنفار من قبلهم في كل الجوانب، كما هناك تجار يتبعون هذا التنظيم يوفرون الوقود المرابط في ميناء بورتسودان لتمويل عمليات النفرة والتحشيد واللبس العسكري وغيرها".
اقرأ أيضا: 100 يوم من القتال.. محطات في حرب السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع.. وتقارير تكشف خسائر السودان
وأشار القيادي في حزب الأمة القومي إلى أن "كل هذه الخطوات ليس للقوات المسلحة يد فيها ولا يقف أو يشرف عليها قيادات من الجيش، بل خلفها عناصر التنظيم الإخواني وهي من أخطر العناصر كالتنظيمات المتطرفة والتنظيم الخاص والعمل المتطرف، وحتمًا سينزلق السودان في أتون الحرب الأهلية التي يخطط لها هؤلاء لتقسيم الوطن وتمزيقه لكي يبقوا في السلطة".
من جانبه، قال الكاتب السوداني الجميل الفاضل: "في اعتقادي أن وقائع ويوميات الحرب الجارية الآن كشفت ما لكتائب النظام السابق المحلول من يد في إشعال وإطالة أمد هذه الحرب، الأمر الذي يضع قوى الثورة المدنية المتهمة أصلًا ببيع دماء شهداء مجزرة القيادة العامة التي حدثت في 3 يوليو 2019 وراح ضحيتها قرابة الـ200 قتيل، في حرج بالغ إذا قبلت مجددًا أي دعوة للجلوس مع قادة نظام البشير والتنظيم الإخواني الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود".
جلسة مشتركة للحوار
وقال الفاضل: "لا أتصور أن بإمكان القوى المدنية قبول أي صيغة للمشاركة مع عناصر نظام الإخوان في جلسة مشتركة للحوار برعاية أفريقية، وفي رأيي أن مصير هذه الدعوة لن يختلف عن مصير لقاء فندق السلام روتانا بالخرطوم الذي دعت إليه الآلية الثلاثية التي تضم بعثة الأمم المتحدة في السودان والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيجاد، لكن في ظني أن الظروف الآن أكثر تعقيدًا مما كانت عليه آنذاك".
ورفض إمكانية انخراط القوى المدنية في أي صفقة أو تسوية تتم مع عناصر حزب البشير لأن مصيرها سيكون في النهاية الفشل، لأنها ستصادم المشاعر والإرادة الشعبية لدى غالب أهل السودان، موضحًا أن الشيء الذي سيجرد القوى المدنية ذاتها لو أنها قبلت مجرد الجلوس لا التسوية من آخر أوراق التوت التي تتستر بها.
طالع للمزيد: الاشتباكات تتواصل في العاصمة السودانية ومناطق أخرى
من جانب آخر، يرى الأكاديمي المتخصص في الإعلام بالجامعات السودانية سيف الدين حسن العوض، أن "الاتهامات المتبادلة بين القوى المدنية في السودان لن تفضي إلى جو ديمقراطي ولن تحقق الحرية السياسية المطلوبة، إذ ينبغي لها أن تتحد وتتوحد وتتفق وتأخذ بيد بعضها بعضًا للخروج من النفق المظلم الحالي والخروج من الدائرة المفرغة التي ظل هذا البلد حبيسًا فيها ما بين نظام ديمقراطي فطير وحكم عسكري تليد، والسبب في ذلك هو عدم تسامح هذه القوى وعدم تعاونها وتنسيقها مع بعضها بعضًا".
استعادة التحول الديمقراطي
وأضاف: "إمكانية استعادة التحول الديمقراطي وإكمال ما تبقى من فترة انتقالية وصولًا إلى الانتخابات مطلب شعبي وعالمي، لكن لكي يحدث ذلك لا بد أن يكون عمر الفترة الانتقالية سنة واحدة أو سنتين ومن ثم تجرى الانتخابات، وأعتقد أنه ليس من المنطق أو الإنصاف بمكان عزل حزب المؤتمر الوطني، لأن هذا التوجه سيؤثر سلبًا في الاستقرار السياسي".
وقال: "بإمكان حزب المؤتمر الوطني استبدال اسمه والدخول إلى معترك السياسة من أبواب شتى أخرى، بالتالي من الأفضل التسامح، فالحزب ليس واحدًا وإنما كان تجمعًا لقوى مدنية عديدة حتى يكون ائتلافًا في جبهة عريضة أسوة بما يحدث في كثير من دول العالم".
وأشار العوض إلى أن اتهام الحركة الإسلامية بإشعال الحرب والتفافها حول الجيش لقطع الطريق أمام أي اتفاق أو عملية سياسية ليس صحيحًا وباطلًا والهدف منه إضعافها وخلق صورة مشوهة عنها، والدليل على ذلك أن كل العالم اليوم مقتنع بأن من بدأ هذه الحرب هو قوات "الدعم السريع" المتمردة، وحاضنتها السياسية قوى الحرية والتغيير.
وأشار إلى أن "صحيح أن الحركة الإسلامية هي أكبر المشاركين في النفرة العامة لدعم الجيش، لكن هناك أفرادًا من قوى مدنية عديدة أيضًا تشارك في هذه النفرة التي انطلقت بعد تمرد قوات الدعم السريع".
الحكم المدني
وأكد أن "الحكم المدني غير مرحب به في السودان في ظل التناحر السياسي وعدم التسامح، وستظل الدعوة للحكم العسكري مطلوبة في الفترة المقبلة، لا سيما بعد أن يحقق الجيش السوداني انتصاره على قوات الدعم السريع، وربما يستمر الحكم العسكري لفترة عامين أو ثلاثة ومن ثم تعقبها فترة انتخابات عامة تفضي إلى تحول ديمقراطي سليم ومعافى".
بدوره اعتبر المتخصص في الشأن السياسي السوداني أحمد عمر خوجلي أن "جميع القوى المدنية المساندة لثورة ديسمبر اتفقت على استبعاد حزب المؤتمر الوطني من المشاركة في أي عمل سياسي، لكن معلوم أن هذا الحزب انتهى ولن تكون له مشاركة في المستقبل وربما تتحول عضويته وقياداته إلى أحزاب وكتل أخرى، فبينهم مواطنون عاديون لم يحظوا بمناصب دستورية أو تنفيذية أو دبلوماسية، فالقواعد يمكن أن تتحرك في اتجاهات مختلفة تناصر أحزابًا معينة وتتفق مع أخرى".
وقال خوجلي: "بالنسبة إلى الاتهامات المتعلقة بمشاركة حزب المؤتمر الوطني في الحرب، فالحقيقة أن الجيش استنفر جميع السودانيين واستجابت عناصر هذا الحزب للنداء من منطلق الدفاع عن الوطن والعقيدة والممتلكات، لكن تهمة إشعاله الحرب هي تهمة سياسية وفرية أرادت بها قوات الدعم السريع وحاضنتها قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) إخفاء الانقلاب التي أرادت تنفيذه".
وأشار إلى أنه ليس هناك اختلاف حول وجوب وقف الحرب باعتباره مطلب جميع السودانيين من أجل الحد من الخسائر الكبيرة على المستويين البشري والمادي، لكن المشكلة كيف تتوقف من ناحية طبيعة الاتفاق وبنوده، فالشروط هي المحك، ودائمًا معلوم أن الطرف الأقوى على الأرض هو من يتسيد الموقف ويجد حظًا أوفر من المكاسب السياسية.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.