رئيس التحرير
عصام كامل

السينما المصرية، إنتاجات كبيرة وإيرادات ضخمة وإبداعات قليلة!

لا شك أن للسينما دورًا أكثر أهمية في المجتمع بجانب وظيفتها كوسيلة للترفيه والمتعة والتنفيس، ألا وهو دورها في التعبير عن مشكلات وهموم وشواغل وتطلعات الناس، وقد لعبت السينما المصرية هذا الدور باقتدار شديد في فترات عديدة من تاريخها الحافل والممتد لأكثر من ١٠٠ عامٍ حتى الآن، خاصةً خلال عصورها الذهبية في الخمسينيات والستينيات والثمانينيات، رافعةً شعار "السينما للجميع"، وعن الجميع منحازة بوضوح إلى المواطن البسيط الذي يكابد الأمرين ويلهث وراء لقمة العيش، فكانت محصلة ذلك عددًا  كبيرًا جدًّا من الأفلام التي صارت من كلاسيكيات السينما وروائعها رغم الإمكانات المحدودة والفقيرة ماديًّا وتقنيًّا، مقارنةً بما هو متوافر للأفلام حاليًّا. أفلام هاجسها الأول جودة وقيمة المضمون المقدم في شكل وقالب فني متميز أيضًا، وهو عكس ما حدث ويحدث منذ بداية الألفية الجديدة، حيث تراجع بشكل رهيب مضمون ما يطرح في السينما من أفلام، فطغى الطابع الكوميدي 'Farce' على السينما، والذي لا يحمل مضمونًا عميقًا، فضلًا عن الضعف الواضح فنيًّا في معظم هذه الأفلام التي شهدت تطورًا ملحوظًا في الصورة، بفعل التقدم المذهل في كل عناصر ومعدات العملية السينمائية، من كاميرات وإضاءة وأدوات مساعدة ومونتاج وميكساج وألوان وطبع وتحميض إلخ، بجانب توافر موارد مالية ضخمة جعلت بعض الأفلام تصل ميزانياتها إلى أكثر من ١٠٠ مليون جنيه! مع الانخفاض الشديد في عدد الأفلام المنتجة من أكثر من مائة فيلم إلى بضعة وعشرين فيلمًا في السنوات الأخيرة.

'رحيل جيل المبدعين'

بعد رحيل جيل المبدعين الكبار من الأدباء وكتاب السيناريو والمخرجين والممثلين والمنتجين الفنانين العاشقين للسينما، وما أكثرهم في فترات ازدهارها وانتعاشها منذ الخمسينيات حتى الثمانينيات! ظهرت أجيال أخرى غالبيتهم لم يؤمنوا بأهمية السينما ورسالتها في المجتمع، فكان هدفهم الأساسي هو الربح المادي فقط حتى ولو على أنقاض السينما!

كما تخلت الدولة عن دورها المطلوب في دعم السينما ودفع عجلتها، مما أدى إلى أن تسود أفلام المقاولات والكوميديا التي لا تحمل أي هدف أو رسالة مع تراجع مخيف في عدد الأفلام المنتجة من ١٢٠ فيلمًا في الستينيات وأكثر من ٨٠ فيلمًا في عام ١٩٨٥، وعدد كبير منها متميز مثل “إعدام ميت، الإنس والجن، خرج ولم يعد، الكيف، الشقة من حق الزوجة، ملف في الآداب” وغيرها، واستمر هذا التراجع كمًّا وكيفًا بعد الارتفاع الجنوني في أجور النجوم والمعدات وكل عناصر الفيلم حتى وصلنا إلى ١٥ فيلمًا في ٢٠٢٠ 'عام الكورونا' ارتفعت إلى ٢٧ فيلمًا في ٢٠٢١، وحققت إيرادات بلغت ٤٠٠ مليون جنيه، تقلصت إلى ٢٤ فيلمًا العام الماضي بإيرادات أكثر وصلت إلى ٥٠٠ مليون جنيه، أما العام الحالي ٢٠٢٣ فتم عرض نحو ١٤ فيلمًا حتى الآن بإيرادات نحو ٢٥٠ مليون جنيه حصد منها فيلم بيت الروبي ١١٤ مليون جنيه! 

وليس معنى تحقيق أفلام مثل “ولاد رزق والفيل الأزرق ٢ وكيرة والجن” وأخيرًا بيت الروبي، لإيرادات ضخمة تجاوزت حاجز ١٠٠ مليون جنيه لأغلبهم أن هذه الأفلام كاملة الأوصاف وأفضل من كل الأفلام العظيمة التي تزخر بها السينما المصرية عبر تاريخها، ببساطة زيادة دور العرض والارتفاع الكبير في ثمن تذاكر السينما وتعويم الجنيه هي الأسباب الحقيقية لهذه الإيرادات المذهلة.

ومن المقرر عرض ٩ أفلامٍ أخرى في موسم الصيف الحالي.. “مرعي البريمو لمحمد هنيدي، ع الزيرو لمحمد رمضان، أبو نسب لمحمد إمام ، بلوموندو لحسن الرداد، وش في وش لمحمد ممدوح، شماريخ بطولة آسر ياسين، فوي فوي فوي لمحمد فراج، البطة الصفراء لغادة عادل، خمس جولات لأدهم الشرقاوي”، معظم هذه الأفلام من النوع الكوميدي الذي لا يحمل مضمونًا هادفًا قويًّا!


'رسائل إلى هؤلاء'

- من أجل إصلاح حال السينما 'المايل' منذ سنوات عديدة أوجه عدة رسائل إلى هؤلاء:


المنتجين: أرجوكم لا تضعوا المكسب المادي هدفًا أول لكم، وأوجدوا توازنًا بينه وبين القيمة الفنية والمضمون الهادف، كما كان يفعل المنتجون العظام رمسيس نجيب وآسيا وحلمي رفلة.


المخرجين: اتعبوا أنفسكم أكثر في البحث عن موضوعات ذات قيمة تُقدم لجمهور السينما، فلكم في روايات كبار الأدباء فرصة عظيمة وذخيرة هائلة وكذلك في مؤلفات شباب الأدباء ولا تستسهلوا وتقولوا "الجمهور عايز كده"!


النجوم: كفى مبالغة في أجوركم التي تثقل كاهل المنتج، وتأتي على حساب العمل كله بالسلب، كما أنصحكم بقراءة أعمال الأدباء الكبار وستجدون أغلبها تصلح للسينما وتعدل ميزانها.


- النقاد: رفقًا بصناع الأفلام من ممثلين ومخرجين ومنتجين ومؤلفين وباقي العناصر، فقط وجهوهم وادعموهم بالنقد البناء دون هدم أو تجريح، فالهدف الأسمى لنا جميعًا هو عودة السينما المصرية إلى سابق أمجادها معبرة عن الناس ولسان حالهم مؤثرة فيهم لا مسيئة لهم ولا تهبط بأذواقهم!


- الدولة ممثلة بوزارة الثقافة بالدرجة الأولى: فلا بد من عودة دورها في دعم السينما وصناعها من خلال عودة المؤسسات والأجهزة التي كانت تضطلع بهذه المهمة مثل المؤسسة العامة لدعم السينما وجهاز السينما وغيرها.

الجريدة الرسمية