67 عامًا على تأميم قناة السويس.. كيف كسر عبد الناصر كبرياء بريطانيا ودفع رئيس وزرائها للاستقالة
تأميم قناة السويس، يستعيد المصريون في 26 يوليو من كل عام، أحساسيس وطنية مختلطة، بين الفخر والسعادة والإحساس بالكرامة، إذ يناسب اليوم ذكرى تأميم قناة السويس عام 1956، وهو القرار الذي أعلنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من ميدان المنشية بالإسكندرية لأسباب اقتصادية وسياسية لازالت محل دراسة مراكز التفكير، وأهم الباحثين السياسيين في العالم، لاسيما أن انعكاسات القرار كانت كارثية على بريطانيا، وسحقت الكبرياء الإنجليزي، ودفعت رئيس الوزراء للاستقالة، وكانت أحد الأسباب الرئيسية في تحطيم الإمبريالية التي لاتغيب عنها الشمس.
صدمة تأميم قناة السويس للعالم الغربي
كان قرار تأميم القناة صدمة كارثية لبريطانيا والغرب، إذ وفر لمصر مصدرًا غنيًا للإيرادات بالإضافة إلى تعزيز الشعور بالفخر الوطني والقومي والعربي، وأصبح جمال عبد الناصر العدود اللدود للدول الاستعمارية الكبرى، محور القومية العربية والزعيم الملهم لحركات التحرر والتمرد في العالم ورائدها، بعد أن أضاف نجاح قرار التأميم شرعية واقعية لأفكاره وقناعاته، ومنحها شعبية ضخمة في المنطقة والعالم.
اقرأ: من ذهول صلاح جاهين للمسات أم كلثوم، كواليس أغانى تأميم القنال بعد بيان عبد الناصر المفاجئ
وضع قناة السويس قبل قرار التأميم
كانت قناة السويس قبل قرار التأميم شبه مملوكة للمساهمين البريطانيين والفرنسيين منذ احتلال مصر عام 1882، لهذا اعتبر قرار انتزاع السيطرة وإعادتها للشعب المصري بمثابة فتح منجم ذهب للمصرين، وتدمير في المقابل للخزائن الاستعمارية.
بلغت الإيرادات السنوية لقناة السويس أنذاك نحو100 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم بمعايير هذا الزمان، وكان كاف للغاية لبناء السد العالي في أسوان، بعد أن حاولت أمريكا التلاعب بالدولة المصرية بالامتناع عن التمويل، كما كانت هذه الأموال مصدر هام في عملية التصنيع التي خطط لها عبد الناصر، لوضع البلاد على طريق الاكتفاء الذاتي، بجانب عمل انقلاب في مصادر الثروة، وإقحام مصر عنوة داخل حيز البلدان المتقدمة.
لهذه الأسباب وغيرها لم يكن سهلا على الغرب تقبل القرار، خاصة أن القناة من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية ذات أهمية إستراتيجية حاسمة، إذ كانت ولاتزال الطريق الوحيد الذي يربط المياه الأوروبية ببحر العرب، كما تمثل حوالي 12٪ من التجارة العالمية وحوالي 10٪ من تجارة النفط المنقولة بحرًا في العالم، وتمر منها أكثر من 20 ألف سفينة عبر القناة كل عام، وتلعب قناة السويس حتى الآن دورًا رئيسيًا في ربط أسواق السلع الأفريقية والآسيوية والأوروبية، لهذا خرج القرار السياسي لانجلترا وفرنسا عن السيطرة، وكانت المواجهة العسكرية.
العدوان الثلاثي على مصر.. صمود قومي وتضامن دولي غير مسبوق
في 4 أكتوبر من نفس العام، وبعد نفاد أوراق التهديدات، قررت بريطانيا وفرنسا ومعهما إسرائيل غزو مصر لاستعادة السيطرة على قناة السويس، لكن المثير أن الغزو وخلال أيام قليلة فقط أصبح أحد أخطر الأحداث في التاريخ البريطاني الحديث منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث سلطت نتائج العدوان الثلاثي الضوء على مكانة بريطانيا المتدهورة، وأكدتها كقوة عالمية ولكن من "الدرجة الثانية".
عاشت بريطانيا بسبب هذا القرار تداعيات سياسية هائلة، ودخلت في أزمة اقتصادية طاحنة، بينما أدت على الصعيد الدولي إلى زيادة تعقيد سياساتها في الشرق الأوسط، حيث هدد العدوان علاقات بريطانيا بدول الكومنولث، وهو اتحاد سياسي يضم 56 دولة، جميعها تقريبًا كانت أقاليم سابقة للإمبراطورية البريطانية، كما واجهت لندن شبح تدمير علاقتها الخاصة مع واشنطن التي عارضت الحرب بشدة وشراسة لم تعرفها العلاقات الأمريكية الإنجليزية من قبل.
وعلى مستوى المؤسسات الدولية النافذة، تحركت الأمم المتحدة بعد أيام قليلة وتحديدا في 4 نوفمبر 1956 وهددت بريطانيا بفرض عقوبات قاسية عليها، إذا خلف العدوان أي ضحايا من المدنيين، جراء القصف الجوي البريطاني المستمر على أهداف مدنية في مصر.
خسائر سياسية واقتصادية بالجملة لبريطانيا من العدوان الثلاثي
مع الصمود المصري والتضامن العالمي، فقدت بريطانيا من الاحتياطي النقدي عشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية واضطرت إلى خفض قيمة عملتها، كما تأزمت علاقتها أكثر مع أمريكا، بعد أن تفاجأ الرئيس أيزنهاور ببدء العمليات العسكرية دون علمه، لهذا مارس ضغوط شديدة على صندوق النقد الدولي لحرمان بريطانيا من أي مساعدة مالية.
اقرأ أيضا: بمناسبة ذكرى العدوان الثلاثي.. قصة البطل محمد مهران الذي نزع العدو البريطاني عينيه
أمام هذا الموقف العصيب، ضعفت الخيارات أمام رئيس الوزراء البريطاني الشهير أنتوني إيدن، وتحت ضغوط شديدة وافق جبرًا على وقف إطلاق النار الذي اقترحته الأمم المتحدة بموجب القرار رقم 1001 في 7 نوفمبر 1956، وعلى هذا الأساس نشرت الأمم المتحدة قوة طوارئ (UNEF) من قوات حفظ السلام في مصر لوقف الصراع.
انتهى العدوان الثلاثي على مصر بالفشل الذريع، وخلف إهانة ضخمة للكرامة العسكرية والسياسية الانجليزية، وترك أثره على إيدن شخصيًا، وخاصة بعد أن خلفت الأزمة تأثير خطير على علاقات بلاده الدولية، وبسببها تلقت بريطانيا ضربات من أقرب حلفائها، لدرجة أن الرئيس الأمريكي إيزنهاور اتهمها بعمل أكبر عملية إلهاء عن قمع الاتحاد السوفيتي الوحشي لانتفاضة المجر.
في الوقت نفسه ساهم العدوان في تضخم قوة عبد الناصر السياسية والدبلوماسية، وتعاظم تأثير الرجل على حلفاء مصر في المنطقة والعالم الذين هددوا بتصعيد الموقف ردًا على محاولة إعادة احتلالها، ونجح عبد الناصر في إثارة المخاوف لدى المستعمرات البريطانية السابقة المستقلة حديثًا من الهجوم على مصر، واعتبروه فرصة لإدانة الموقف، وإشعال غضب دولي تضامنا وخوفا في الوقت نفسه من نجاح بريطانيا في مخططاتها واتخاذها ذريعة لإعادة ثقافة الاحتلال والاستعمار للعالم مرة أخرى.
على مستوى الصراع العالمي، اكتسب الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف نفوذا جديدا في مواجهة "الإمبريالية البريطانية" بعد أن اتخذ موقفا صداميا غير مسبوقا ردا على محاولة احتلال مصر، لدرجة التهديد بالهجوم بالصواريخ على لندن وتحويلها إلى قطعة من الجحيم حال استمرت في محاولة احتلال مصر، كما هدد بإرسال قوات إلى القاهرة وجر الناتو إلى صراع لا قبل له به.
داخليا عاشت بريطانيا أسوأ أزمة وطنية في العصر الحديث بسبب تزايد حدة الانقسام حول الهجوم على مصر بين حكومة المحافظين والمعارضة العمالية، بل وشهدت انقسامًا داخل حزب المحافظين نفسه، خاصة بعد إذلال بريطانيا الناجم عن الصراع، كما اندلعت احتجاجات شعبية في الشارع الإنجليزي مناهضة للحرب واستقال العديد من موظفي الخدمة المدنية احتجاجًا على ذلك.
مكاسب مصر من قرار تأميم قناة السويس
في المقابل حصدت مصر عدة مكاسب من قرار الغزو، فما كانت بريطانيا تأمل في منعه من خلال إجراءات نوفمبر 1956، نجحت سياسات عبد الناصر بالفعل في الحصول عليه، إذ ضمنت سيطرتها على القناة وبدعم من الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
أقرأ أيضا: ٨ معلومات عن المهندس محمود أحمد يونس المسئول الأول عن تأميم قناة السويس
في ضوء الانتصار السياسي الكاسح، اتخذ عبد الناصر قرارات أكثر صدامية لإذلال بريطانيا أكثر وأكثر، إذ أمر بإغلاق القناة أمام حركة المرور لمدة خمسة أشهر بواسطة السفن التي أغرقها الجيش المصري خلال العمليات، وأصبح وصول البريطانيين إلى الوقود والنفط ضعيفا ومحدودًا.
في هذه الظروف العصيبة على الإمبريالية الجريحة، استقال إيدن من رئاسة الوزارة في يناير 1957، بعد أقل من عامين على توليه رئاسة الوزراء، وتحققت في المقابل النبوءة الأمريكية للحماقة الإنجليزية، بعد أن ضاعفت أزمة السويس من النفوذ السوفيتي في مصر، وانعكس تدخل خروتشوف إلى جانب القاهرة على توثيق علاقة الاتحاد السوفيتي بالمنطقة، فلم يعد الرجل حليفا استراتيجيا لمصر وحدها، بل للدول العربية والشرق الأوسط والبلدان التي تكافح الاستعمار وتسعى للتحرر في العالم.
كما شجعت نتائج الحرب على توجهج الفكر القومي، وبالتبعية أصبح الرئيس جمال عبد الناصر ساحر الشرق وزعيمه الذي يدعم التحرر في كل مكان، وأصبح الرجل يخرج لسانه للدول الكبرى ويضاعف من تحركاته في دعم الجماعات المتمردة ضد الدول الاستعمارية الكبرى، وخاصة الجيوب السابقة للإمبراطورية البريطانية، دون أن تستطيع انجلترا ملاحقته مرة آخرى، وأصبح الخلاص منه مسألة قدرية بامتياز، ولم يعد للإنجليز في ذلك ناقة ولا جمل !
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.