إنه زمن الكلاب يا مليك البلاد
في العشر سنوات الأخيرة من حكم الملك فاروق عانى غالبية الشعب المصري من الثالوث المخيف الفقر والجهل والمرض، ولقد سجلت الوثائق البريطانية والأمريكية، فضلا عن شهادات النخبة المثقفة من أساتذة وأدباء وفنانين ورجال سياسة من مصر وغيرها، ظاهرة عدم ارتداء المصريين الأحذية بسبب الفقر، الأمر الذي فاقم من انتشار مرض البلهاريسيا والكبد الوبائي. فضلا عن الأمراض الأخرى التى حصدت الآف من أرواح المصريين.
في إحدى سفريات فتحي رضوان عضو الحزب الوطني -سيختاره عبد الناصر بعد الثورة وزيرا- إلى غزة صادفته سيدة جميلة جلست أمامه وهو عائد إلى القاهرة، وحسب روايته تعجبت السيدة من إطالته النظر إليها، ولما سألته هل أنت معجب بي فأجابها بأنه معجب بالكلب النحيف الذي يجلس على الكرسي بجانبها..
فضحكت وقالت له، إنه كان في زيارة إلى غزة ليعالج، فالطبيب البريطاني الوحيد الذي يعالج هذا النوع من الكلاب يعيش في غزة، ولقد نجح فعلا في علاجه وشفي، ووصف له هذه الشيكولاته السويسرية..
يقول فتحي رضوان وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث حول الكلب وتاريخ حياته حتى وصلنا محطة القاهرة، وقبل أن أنزل من القطار التفت اليها وقلت لها: يا سيدتي الجميلة لقد اوحيتي لي بموضوع مقال، سيكون عنوانه (إنه حقا زمن الكلاب)..
وقبل ان ترد قلت لها، يا سيدتي الجميله في مصر آلاف من الأطفال يموتون كل يوم لانهم لم يجدوا طبيبا يعالجهم مثل الطبيب الذي عالج كلبك الجميل، ويا سيدتي الجميلة في مصر آلاف من المصريين لا يجدون الخبز ويتضورون جوعا، ولا يسمعون عن شيئ إسمه الشيكولاته.. يا سيدتي إنه حقا زمن الكلاب.
هذا هو زمن الملك فاروق الذي يصوره البعض بأنه كان عصرا ذهبيا، وكانت الليبرالية تزين سماء الحياة السياسية، ونسي هؤلاء أو تناسوا أن سلطة الاحتلال وحدها أفسدت الحياة النيابية، وأن عداء الملك لدستور ٢٣ جعله مجرد حبر على ورق، وأن الملك والاحزاب السياسية فشلوا في أن يحققوا حلم الشعب المصري في الحرية والاستقلال..
وجميع الانتخابات كانت تزور وأن أكبر حزب في مصر، حزب الوفد، لم يصل إلى الحكم خلال الفترة من 1924 إلى 1952 إلا سبع سنوات فقط وأن بعض المصريين تمنوا الموت في كتاباتهم كالشاعر الذي قال:رب الموت أحب إلي بدلا من أن أرى بلدي تباع وتشترى.. من يبيع ومن يشتري أنجلترا لانجلترا..