حكاية الأستاذ سليمان
بغض النظر عن صحة أو كذب رواية وفاة الأستاذ سليمان الذي قيل إنه توفي أثناء عمله الإضافي كعامل بناء وبغض النظر عن كل ما قيل على السوشيال ميديا ونفي نقابة المعلمين وإنه وإنه.. فالأمر المؤكد أن هناك مئات الألوف حكاياتهم صحيحة لأنها حكاية كل شريف في هذا البلد، صحيح أن الحياة كالبيانو، لكي تعيش الأيام البيضاء، لا مفر من المرور باللون الأسود قليلا ولكن حكاية الشغل الإضافي تعكس حال ملايين المصريين الذين أصبحت دخولهم لا تكفي لأساسيات الحياة فاضطروا للعمل في وظيفتين وثلاثة حتى ولو كان الثمن حياتهم.
فالعوز يدق أعناق الجميع لدرجة بات لكل منا مهنة إضافية تساعده على أن يقتات الفتات هو وأولاده بعد أن طغى الغلاء وقضى على الطبقة المتوسطة وللأسف هذا واقع كاشف وهاتك لستر من كانوا بالأمس ميسورين ومستورين انقلبت الحياة وانضم كثير من أصحاب الوظائف لطبقة الفقراء والمعوزين..
في حين استحوذ على المال مجموعة من المشبوهين الذين يعرفون أنفسهم على أنهم رجال أعمال ويتقدمون الصفوف الآن ويشاهدهم الناس بسياراتهم الفارهة وشاليهاتهم وفيللهم وكلابهم وحراسهم.
عمل إضافي
المرحوم سليمان عبد الحميد مدير مدرسة صفط الشرقية بالمنيا -مدرس علوم- مشهود له بالسيرة الحسنة من تلاميذه وأهل بلدته أضاف للجهد العقلي والنفسي في مهنة التدريس والتعليم جهدا بدنيا كبيرا بالعمل كصنايعي بناء، وهو ما يبدو أنه كان المتاح أمامه فلم يتحمل جسده وقلبه هذا الضغط فرحل بأزمة قلبية تاركا أسرته في مهب الريح..
تركنا جميعا في قفص الاتهام والقصة مكررة للمرة المليون مرتبات الأطباء والمدرسين ضعيفة جدا ولا تكفي، والعام الماضي تم إثارة القصة بطريقة أخرى حيث وجد مدرس جغرافيا (مؤهل عالي ) يعمل عامل نظافة في مطعم كبير وأي شريف يضطر للعمل الإضافي لتأمين الحاجات الضرورية لأسرته، فأصحاب السيارات المتهالكة يقفون أمام المطارات ومواقف القطارات والأتوبيسات يشتغلون بسياراتهم تاكسي.
والمشكلة في سوء الأحوال المعيشية لفئات مهمة في المجتمع وعدم المساواة بين طبقات الشعب الذي يعمل في القطاع الحكومي وفي غالبية الدول العربية خريجي الجامعات المصرية (كليات الشريعة والآداب والتربية والتجارة وجميع المعاهد العليا) بيشتغلوا عمال والأطباء يفرون هاربين للعمل في الخارج.. بسبب الرواتب الهزيلة.. والعمل لمدد تصل إلى ٣٦ ساعة متواصلة بدون رحمة.. وبدون أدوات.
وهناك قرى ونجوع تتشح بالسواد حزنا على خيرة رجالها وشبابها الذين ساحوا في أرض الله الواسعة فعادوا جثثا ويحسبهم الأهالي شهداء لقمة العيش في ليبيا ودول الخليج وعلي شواطئ مراكب الموت وقد نص العلامة ابن عابدين في "حاشيته" على أن من سعى على امرأته وولده وما ملكت يمينه يقيم فيهم أمر الله تعالى ويطعمهم من حلال كان حقًّا على الله تعالى أن يجعله من الشهداء في درجاتهم يوم القيامة، وهؤلاء يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم. رحم الله الشرفاء أحياء وأموات في مصر المحروسة.