سر صلوات الله الدائمة على رسوله
من أعظم مظاهر التكريم الإلهي لسيدنا رسول الله صلى الله على حضرته وآله صلاته عز وجل عليه وهي تحمل من المعاني والأسرار الكثير والكثير وأعتقد أنه لا نهاية لتلك المعاني والأسرار وخاصة أن رسول الله يكمن في ذاته النورانية الشريفة سر الله تعالى الساري في سائر الأسماء والصفات.
وفي ذلك يقول أحد العارفين بالله تعالى ممن أشرق الله جل جلاله على قلوبهم بأنوار العلوم اللدنية والمعارف، أن من أسرار الله تعالى في صلاته الدائمة على سيدنا رسول الله أن الله تعالى قد جعل نور النبي وذاته محل المدد والإمداد لكل عوالم الخلق، فالمدد من الله بواسطة نور رسوله الكريم..
فالله تعالى هو العاطي والنبي الكريم هو القاسم وفي الحديث "الله هو العاطي وأنا القاسم"، ولذا ما من شئ في الكون إلا وهو بحضرته عليه الصلاة والسلام منوط.. هذا وفي قوله تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبي"، تنبيه منه عز وجل وبيان لعظم قدر النبي وسمو مكانته عنده سبحانه وتعالى..
وفي ذلك أيضا إشارة إلى خصوصية الرسول الكريم، ومظهر من مظاهر التكريم الإلهي لحضرته صلى الله عليه وسلم، وإشارة إلى أن الله عز وجل دائم التجلي برحماته وأنواره وعلومه ومعارفه على النبي، وفيه إشارة أيضا إلى أن النبي الكريم في حال ارتقاء ورفعة دائمة في حياته وبعد وفاته في برزخه، ويتجلى ذلك كله في المشهد العظيم في يوم القيامة حين يتبرأ السادة الأنبياء والرسل من الشفاعة ويقول حضرته "أنا لها.. أنا لها"..
سر الصلاة على رسول الله
هذا وفي الحقيقة أن صلاة الله على حبيبه ومحبوبه صلى الله عليه وسلم صلاة قديمة من قبل أن يظهره الله في صورته البشرية، كيف ذلك؟!
معلوم أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى القديم والكلام صفة للمتكلم، والصفة تتبع الموصوف، والله تعالى قديم قبل القدم، وهو قديم حيث لا قدم، فهو سبحانه أول بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء، وقبل كل أول وصفة القدم المتصف بها سبحانه وتعالى، غير متعلقة بالزمن، فالزمن خلق له سبحانه..
وهو غير المسبوق، كان الله ولا شيء معه سبحانه، يقول أحد العارفين بالله ممن أشاروا إلى الحقيقة المحمدية: إن الله تعالى تجلى بذاته سبحانه على ذاته بلا كيف، حيث كان ولا شيء معه، فانبثقت الذات المحمدية في مظهر النور وأقامها عز وجل بين يديه، وخصها بالتجليات النورانية والرحمانية..
وذلك من خلال صلاته تبارك في علاه على نور حبيبه، من قبل أن يخلق الخلق وفي قوله تعالى: "قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ"، إشارة إلى النور المحمدي المعطوف عليه الكتاب والموصول به..
فالنور هو النبي والكتاب هو القرآن الكريم..
من هنا نعلم أن صلاة الله تعالى والتي تعني تجلياته ورحماته وإفاضاته على خليله الأكرم، وحبيبه الأعظم عليه الصلاة والسلام قديمة وسابقة لعالم الخلق والوجود، وهي دائمة لا تتوقف ولا تنتهي، ويؤكد ذلك أنها جاءت بصيغة الفعل المضارع الذي يفيد الاستمرار فقال سبحانه: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ"، ٱشارة للاستمرارية..
إذن نقول الله تعالى صلى عليه قديما في مظهر وصورة النور، وصلى عليه في الأصلاب والظهور، وصلى عليه في عالم الأرحام وفي عالم الظهور، والآن يصلي عليه في برزخه ومرقده الشريف صلى الله عليه وسلم..
هذا وعندما نزلت الآية الكريمة: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"، سأل الصحابة رسول الله، قالوا: يا رسول الله علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟! فقال لهم عليه الصلاة والسلام، قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
من هذا الكلام نفهم أن صلاتنا على رسول الله هي عبارة عن طلب من الله فيه تفويض وإنابة منا لله في الصلاة على رسوله الكريم، فنحن في الحقيقة صلاتنا قولية ولا ندرك كيف نصلي عليه صلى الله عليه وسلم، فصلاتنا طلب من الله وإنابته وتفويضه عز وجل في الصلاة نيابة عنا، فلا يدرك حقيقته ولا يعرف قدره إلا بارئه وخالقه سبحانه وتعالى، وفي الحديث "لا يعرف قدرى إلا ربي"..
فاللهم صل وسلم وبارك على حبيبك ونبيك وأكرم خلقك ومصطفاك صلاة دائمة بدوامك سبحانك.. باقية ببقائك.. سبحانك.. لا منتهى لها دون علمك سبحانك، صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يارب العالمين، هذا والفضل في الصلاة عليه لا منتهى له.