موتى فى خدمة الأصنام
أزمة جماعة الإخوان، المتاجرة والمتمسحة بالإسلام والمقترنة تسميتها زوراً وبهتاناً به، أن 85 عاماً هى مدة وجودها لم تنتبه معها إلى خطورة استخدام الخطاب الملغم بالحديث فى الدين حسب هواها، وجعلت من منهجها ورؤيتها الأحادية للمشهد السياسى المتغير أيقونة لا يجوز الاقتراب منها، بينما تحولت هى إلى صنم لا يتقرب منه إلا موتى العقول، وأحياناً الضمائر.
وفعل الجماعة السلبى بمجتمعات توغلت وترعرت داخلها لتجعل على ألسنة الجهلة اسمها مقترناً بعبارة "بتوع ربنا"، انتهى إلا من مشاهد أفلام زمن الجاهلية، بحلول ثورة يناير 2011 ومقدماتها بدءاً من ظهور الحركة الوطنية من أجل التغيير "كفاية" بأول احتجاجاتها العلنية الميدانية فى 12 ديسمبر 2004 ، والتى أسقطت صنماً رقص له وسجد قبل أن يأكل أعضاءه كل متلون وفاسد، إلا أن البديل الجاهز لاختطاف السلطة بذات التقديرات البالية لقياداته، لم يدرك كلمة السر فى حدث يناير فاستيقظ على كابوس 30 يونيو وهو على عرشه متربعاً.
فى العام 1935، كانت أبرز ثورات الشباب المصرى التى لم تحظ باهتمامات كثيرين فى التاريخ الحديث، تطورت بشكل نوعى فى صورة حركة الضباط الأحرار 1952 ، ثم ظهرت موجة أخرى لذات الجيل فى 1968 ضد انحرافات استلزمت حضورهم إلى المشهد، ثم فى 1972 ضد حالة السكون والصمت غير المفهوم لرئيس على وطن ثلثه محتل، حتى كان ركناً أصيلاً فى مشهد 18 – 19 يناير 1977 قبل أن يحضر مبارك صاحب نظرية "الباب الموارب" فى التعامل مع الحاضر والمستقبل السياسى، فكانت الحركة الحقوقية والحراك الحزبى المتباطئ بديلين للمواجهة المباشرة على الأرض، مرتبطين برؤية قطاعى الحريات والحقوق وإن فقدا الربط بين تصنيفاتها، المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى جاءت "كفاية" وأجبرت مبارك بشعار "لا للتمديد لا للتوريث" على تعديل يسمح شكلياً بمنافسين له على مقعد الحكم، وخلال 5 سنوات انخرط شباب الأحزاب والحركات الميدانية فى نشاط ممنهج ذهب بهم إلى فعل يناير عن وعى.
خلال هذه المرحلة، ظل الإخوان متمسكين بعاداتهم "السرية" وتقاليدهم البالية فى التعامل مع العمل التنظيمى بفرعيه المجتمعى والسياسى، فأصابوا قطاعاً عريضاً من الأميين والمستضعفين ممن ظلوا على علاقاتهم الهشة بالواقع السياسى ومتغيراته، وانطلقت الجماعة تحصد باسم الله والرسول والمرشد والتنظيم الدولى والخاص ما تستطيع لنفسها وأعضائها كل على قدر وزنه، فعادت دون وعى بعد انفتاح جزئى على المجتمع إلى صومعة العقل وتحجر الرؤية وتصلب الروح وغشاوة البصر والبصيرة، فحضرت مدة حكمها من 30 يونيو 2012 إلى 30 يونيو 2013 الأسوأ فى تاريخ مصر والأخطر على أمنها المجتمعى والقومى.
ذهب الكابوس لكن لم ينته المشهد المأسوى، التعاطف مع أصنام لا تسمع ولا ترى ولا ترد ولا تعلق، تكتفى بالمشاهدة ولا تقدر على الاستمتاع بموتى العقول المحيطة بها مستجيبة لغير فعل، هكذا الحال فى رابعة والنهضة وبعض الميادين المتردد عليها أنصار الجماعة، حتى مع قرارات واعترافات أغبيائها بحمل السلاح ضد الدولة، الجيش والشعب معاً، وتدبير المحن وافتعال الأزمات عن غير وعى بطبيعة المتغير الرئيسى فى الشخصية المصرية وجيل الشباب الحر.
سينتهى الدرس سريعاً ويظل حاضراً لمن يعى من غير الموتى الحاضرين تحت أقدام الأصنام، وسيستيقظ مناصرو العنف والإرهاب والمتعاطفون معه على مصيبة أكبر من حجم ومستوى تخلفهم الذهنى والإنسانى، بعد أن يعيشوا على هامش الحياة والعقل ويتستروا بالجهل والغباء مجدداً، وستظل مصر مصانة بعقل وقلب مؤمنيها والمؤمنين بها.