رئيس التحرير
عصام كامل

معركة نزيب، قصة فتك الجيش المصري بجنود الخلافة العثمانية في نصف ساعة

إحدى اللوحات المعبرة
إحدى اللوحات المعبرة عن معركة نزيب، فيتو

في مثل هذا اليوم من عام 1839 نشبت معركة نزيب بين الدولة العثمانية ووالي مصر محمد علي باشا والتي انتهت بهزيمة العثمانيين وفتحت الطريق أمام إبراهيم باشا قائد الجيش المصري للوصول إلى عاصمة دولة الخلافة، لولا تدخل الدول الأوروبية الذي حال دون ذلك.

 

أسباب اندلاع معركة نزيب 

كانت الأوضاع في سوريا مضطربة ضد حكم إبراهيم باشا بسبب سياسة التجنيد الإجباري التي اتبعها، وفي نفس الوقت كان الباب العالي مصممًا على استعادة سوريا من محمد علي، وكانت الدول الغربية تدعم الدولة العثمانية لتفضيلها الدولة الضعيفة على الدولة العلوية القوية.

كان الغرب يتخوف من التطور الشديد الذي أحدثه محمد علي في مصر مدنيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، بخلاف الرؤية السياسية بعيدة المدى التي امتاز بها محمد علي باشا والتي كانت عاملًا هامًا في نشأة الخلاف مع الخليفة العثماني الذي أعلن صراحة كرهه لمحمد علي. 

 

رفض محمد على إعادة سوريا واعتمد على تفوق ابنه القائد إبراهيم باشا ومهارته في القتال بجيشه على أراضي مختلفة، وتضاريس مجهولة، وتحت ظروف جوية معقدة، وهذا لم يكن محض المصادفة، فقد نمت مهارة القائد إبراهيم باشا ودرايته عبر خوضه معارك وفتوحات عديدة في كل من السودان والحجاز ونجد وفلسطين وسوريا وحرب المورة في اليونان.

 

كما نجح إبراهيم باشا في تحقيق انتصار بالجيش المصري من قبل على العثمانيين في معركة قونية 1832م واحتل أجزاء كبيرة من هضبة الأناضول حتى مدينة كوتاهية، وكان القائد إبراهيم باشا قد أصر على والده محمد علي باشا في المواصلة حتى الآستانة -إسطنبول- لإسقاط الخلافة العثمانية، ويشير بعض المؤرخين على أنه كان قادرًا على ذلك، إلا أن تردد محمد علي وتفضيله الحل السياسي مع الدول الأوروبية وتوقيع اتفاقية كوتاهية عام 1833م أدى إلى ضياع الفرصة على ولده إبراهيم ونشأة الخلاف بينهما.

 

الوضع المادي والمعنوي للجيشين المصري والعثماني 

قبل معركة نزيب، كان الجيشان مجهزين تجهيزًا ممتازًا وكانت قواهما متعادلة، وعدد الجنود في كل جيش يقارب الأربعين ألف رجل مدعومين بالمدفعية والفرسان. 

 

من ناحية تدريب الجيش المصري فقد كان مدربًا على أحدث الأساليب العسكرية من حيث تنظيم الصفوف وسرعة التحرك والمناورة، ووجود سليمان باشا الفرنساوي كرئيس لأركان الجيش المصري، وقيادة إبراهيم باشا الذي أصبح خبيرًا بكيفية التغلب على الجيوش العثمانية منذ سنوات كان عامل قوة شديدة لمصر.

 

من ناحية أخرى، تمتع الجيش العثماني بالأفضلية من حيث الاستعداد، والتزود بالمؤن كما أنه استراح عدة أسابيع في معسكره، عكس الجنود المصريين والسوريين الذين كانوا قد أنهكوا من المسير لملاقاة الجيش العثماني تحت حرارة الشمس في بداية فصل الصيف.

 

صرف حافظ باشا قائد الجيش العثماني شهرًا كاملًا في حفر الخنادق وإقامة المعاقل والحصون استعدادا لـ معركة نزيب، ومرن جيشه على الدفاع والهجوم في تلك المنطقة، ولكن جيش إبراهيم باشا كان أتم نظاما وأكثر ممارسة للقتال. 

 

وكان إبراهيم باشا ورئيس أركان حربه سليمان باشا على رأي واحد، أما حافظ باشا ورئيس أركان حربه مولتك فقد كانا على رأيين متباينين. وكان ضباط إبراهيم باشا يحترمونه ويهابونه، وجميعهم قد نالوا رتبهم عن جدارة واستحقاق، أما ضباط الجيش العثماني فإن أكثرهم كان من صنائع الحكام والوزراء في إسطنبول.

 

كواليس معركة نزيب بين الجيش المصري والعثماني

عند وصول جيش إبراهيم أرسل فرقًا استطلاعية لمعرفة تحصينات الأتراك وتفاصيل معسكرهم، فاتضح له ولرئيس أركانه سليمان باشا أن الموقع محصن جيدًا تحميه سبعة مدافع قوية، وبعد دراسة ميدانية لتضاريس الموقع قرر إبراهيم باشا الالتفاف على معسكر العثمانيين لحرمانهم من الاستفادة من تحصينات موقعهم.

 

نصح القائد البروسي حافظ باشا بالانسحاب إلى أول معسكر محصن في البيرة بعد أن أدركوا خطة إبراهيم باشا فرفض الانسحاب ثم نصحه بالاشتباك مع جيش إبراهيم باشا في طريق التفافه ولكن حافظ باشا خشي من عواقب قتال الجيش المصري خارج نزب بعيدًا عن حصونه التي أقامها فيها.

 

ارتكب حافظ باشا خطأ آخر بعدم سيطرته على الطرق والجسر الذي استخدمه جيش إبراهيم باشا للعبور والالتفاف حول الجيش العثماني، وعندما أتم الجيش المصري الالتفاف لاحظ إبراهيم باشا نقطة ضعف في الجناح الأيسر للجيش العثماني فأمر بقذفه بالمدافع.

 

لشتعلت معركة نزيب وأدت القذائف المدفعية المصرية إلى الفتك بفرسان الجيش العثماني وانتشار الفوضى في صفوفه، عندئذ أمر إبراهيم باشا بهجوم وسط الجيش المصري وميسرته تحت غطاء نيران المدفعية المصرية ليسحق الجيش العثماني خلال نصف ساعة. 

 

سيطر إبراهيم باشا على المعسكر ومدافعه وجزء من خزينة الجيش إضافة أسر من 10 إلى 15 ألف أسير. وصل عدد القتلى إلى حوالي سبعة آلاف قتيل. 

 

فتحت معركة نزيب أبواب الأناضول مجددًا أمام إبراهيم باشا للمرة الثانية خلال ثماني سنوات، ولكنه، بسبب ضغوط الدول الأوروبية، اكتفى بالسيطرة على بعض تخوم سورية الشمالية من نزب إلى أورفة والبيرة وعنتاب وانتهاءً بمرعش بوابة الأناضول.

 

ما بعد المعركة، أوروبا تنقذ العثمانيين وتحرم محمد علي من ثمرة انتصاره

أبيد الجيش التركي وتمت غنيمة أسلحته شبه كاملة ووافق آلاف الأسرى على نقل ولائهم إلى الجيش المصري فتم تسييرهم إلى مصر، وهكذا صار الطريق مفتوحا امام إبراهيم باشا لدخول العاصمة العثمانية، وعلم الأسطول العثماني بهذا الأمر فتوجه إلى الإسكندرية بمصر ليقوم قائد الأسطول بتسليم أسطوله كاملا إلى محمد علي ليكون تحت إمرته.

 

ولكن الدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا كانت تأبى أن تقوم دولة قوية تجمع مصر والشام وتهدد طريق تجارة بريطانيا إلى مستعمراتها في الهند، فتجمعت الأساطيل الأوروبية وفرضت إبرام معاهدة لندن 1840 التي انتهت إلى نصوص مجحفة بمصر لتجريدها من مستعمراتها كلها وحرمانها من ثمرة انتصارها، وبالفعل انتهى الأمر إلى سحب القوات المصرية كاملة من الشام كله وفرض قيود على الجيش المصري بأن لا يزيد حجمه على 18 ألف مقاتل بعد أن كان يتعدى 300 ألف فرد، وأرضي محمد علي باشا بأن يكون حكمه لمصر والسودان فقط وراثيًّا لكن يظل تابعا للدولة العثمانية.ِ

 

نقدم لكم من خلال موقع (فيتو) ، تغطية ورصدا مستمرا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. 

الجريدة الرسمية