رئيس التحرير
عصام كامل

"سخرة الداخلية" الأمن المركزى سابقًا.. أنشأه "الاحتلال" لقمع ثورة 19.. ولجأ إليه "السادات" فى أحداث 77.. واستغله "مبارك" فى مواجهة معارضيه .. ليموت جنوده تحت عجلات قطارات "مرسى"

فيتو



هم شباب فى مقتبل العمر منعهم الفقر أو الجهل أو كلاهما من الحصول على حقهم فى التعليم، ‏فحملوا لقب "أمى"، ليجدوا أنفسهم بسببه داخل معسكرات "الأمن المركزى" لمدة ثلاث سنوات ‏تقريبًا بلا مقابل أو حسبما وصفهم أحد تقارير الداخلية بـ" العمالة محدودة الأجر"، ليس هذا فقط بل يظل"مجند أمن مركزى" يلاحقه كما لو كان وصمة بعد أن استخدمته الأنظمة الحاكمة بدءا من عهد السادات وحتى نظام مبارك فى قمع معارضيهم، ورغم دورهم الجوهرى للحكام إلا أنهم يتذيلون قوائم اهتمامتهم حتى تحولوا إلى عبيد الداخلية.

وجاءت حادثة قطار البدرشين التى وقعت فجر أمس والتى راح ضحيتها 18 مجندًا فى أول ساعات "الجندية" لتفتح ملف قطاع الأمن المركزى الذى تحول جنوده لمجرد أدوات لقمع المعارضة ليس أكثر، ولم تكن حادثة البدرشين أولى حوادث ‏الأمن المركزى فى عهد الرئيس محمد مرسى، ففى أكتوبر الماضى انقلبت إحدى سياراته بوسط سيناء وراح ضحيتها 21 قتيلًا و24 مصابًا.

وتعود فكرة استخدام الأفراد المجندين بوزارة الداخلية فى أعمال الأمن ‏إلى ثورة 1919، حينما عجزت قوات الشرطة المحدودة وقتها فى مواجهتها، مما دعا الاستعمار ‏الإنجليزى بالاستعانة بمجندين من القوات المسلحة لاستخدامهم فى قمع المظاهرات. ‏

وحينما اندلعت مظاهرات عمال حلوان فى فبراير 1968، احتجاجا على الأحكام ‏الصادرة ضد قادة سلاح الطيران المتهمين بالإهمال والمسئولية عن نكسة يونيو. صدر القرار ‏الوزارى رقم 1010 لسنة 1969، الذى أنشأ جهاز الأمن المركزى، وخصه بمواجهة ‏الاضطرابات وأعمال الشغب التى تعجز قوات الأمن العادية عن مواجهتها، ولم يتجاوز عدد ‏جنود الأمن المركزى آنذاك خمسة آلاف جندى وفقًا لتقرير صادرة عن مركز الدراسات ‏الاشتراكية.‏

وبعدما وقعت انتفاضة 1977، فى عهد السادات ونزل الجيش للشارع تقدم وزير ‏الداخلية وقتها النبوى إسماعيل بطلب للرئيس السادات بإنشاء جهاز الأمن المركزى يختص ‏بما أطلق عليه "الأمن الوقائى" بما يعنى توجيه ضربات اجهاضية لأى تحرك سياسى أو اجتماعى فى مهده. وكان ذلك سبب تضاعف أعداد جنود الأمن المركزى حتى بلغت نصف مليون، ‏وانتقل تسليح الجهاز من العصى والقنابل المسيلة للدموع والبنادق إلى المدافع الرشاشة ‏والسيارات المدرعة والتى استخدمت خلال ثورة يناير. ‏

وظل جنود الأمن المركزى مجهلين يعاملون كمواطنين من الدرجة العاشرة إلى أن ‏حدثت أحداث الأمن المركزى 1986 حينما خرج الآلاف من الجنود من معسكرين فى منطقة ‏الأهرامات مندفعين بخوذاتهم ورشاشاتهم وبنادقهم فى مظاهرات مسلحة إلى فندق "الجولى ‏فيل" وحطم الجنود تلك الواجهات الزجاجية ثم اقتحموا الفندق، وبدءوا بحرق محتوياته، ثم بإحراق فندق هوليداى سفنكس، ومبنى قسم شرطة الهرم، وفندق ميناهاوس، ‏وبعض المحلات التجارية الكبيرة فى المنطقة. وخلال ساعات استطاع الجنود احتلال منطقة ‏الهرم بأكملها بما فى ذلك مداخل طريق الإسكندرية الصحراوى وطريق الفيوم وترعة ‏المنصورية. وفى الثالثة من صباح اليوم التالى أعلنت حالة الطوارئ وتم فرض حظر التجول ‏فى تلك المنطقة. وانتشرت قوات الجيش فى المنطقة وبدأت معارك وصدامات بين الأمن ‏المركزى والجيش ليس فى القاهرة وحدها وإنما فى المحافظات حتى وصل الأمر بمحافظ أسيوط أنذاك زكى بدر الذى فتح الهويس (القناطر) فى أسيوط للحيلولة دون وصول جنود ‏الأمن المركزى من معسكرهم فى البر الشرقى الذى أحرقوه وخرجوا منه، واستخدم الجيش ‏الطائرات لضرب جنود الأمن المركزى، ولذلك أصبح زكى بدر وزيرًا للداخلية مكأفاة له.‏

وكانت حصيلة انتفاضة الأمن المركزى أكثر من 107 قتلى معظمهم من الجنود 104 ‏فى القاهرة و3 فى أسيوط و719 جريحًا. وبعد إعادة الجيش السيطرة على الأوضاع، تم ‏القبض على آلاف من الجنود من مواقع الأحداث بالإضافة إلى أعداد من المهمشين، وأمام أحد ‏أقسام الشرطة التى تعرضت للهجوم وقفت دبابات الجيش صفين بينهم طابور من العساكر ‏المقبوض عليهم، واضعين أياديهم فوق رؤوسهم مثل الأسرى وعيونهم زائغة، معظمهم ‏ضعاف الجسم قصار القامة، بعضهم يرتدى الزى العسكرى وآخرون بالملابس الداخلية، ‏مساقون إلى المذبح فى مشهد يشبه إلى حد كبير صلب سبارتاكوس ورفاقه على طريق روما، فيما ‏تم طرد 21 ألف جندى من الخدمة.‏

وبعدها عاد "مبارك" للسيطرته بيد من حديد على مجندين الأمن المركزى يستخدمهم كعصا ‏لضرب المعارضين، أما فى عهد "مرسى" فتحولوا لجثث تملأ شوارع مصر، انتظارًا لأى منطقة ستكتب فيها شهادة وفاة آخرين. ‏

 

الجريدة الرسمية