جيل يونية حقق انتصار أكتوبر!
الخامس من يونية 1967، صباح يوم لا يمكن نسيانه، أو تجاهله، اتحدث عن نفسى، فقد استيقظت على صوت أبى وكله قلق وتوتر، "فالحرب قامت" كما قال، لم أكن أدرك الأسباب التى جعلته متوترا، ولم أكن أدرك ماذا تعنى أن الحرب قامت؟ كل ما أعرفه إن أخى عادل في مطار الماظة، وفي حدود فهمى أن مطار الماظة في القاهرة، والحرب ستكون في حدود سيناء مع فلسطين..
وبالرغم من صغر سننا إلا أننى كنت أعرف أن تحرير فلسطين أمر واقع واكيد، وما هى إلا ساعات، وأدركت من خلال سماع والدى إلى إذاعة لندن –بى بى سى– أن هناك كارثة تحدث في سيناء، وأن قواتنا تنسحب بصعوبة من سيناء إلى ضفة قناة السويس..
أيام وأعلن الزعيم جمال عبدالناصر التنحى، وخرجت الملايين ترفض التنحى وترفض الهزيمة، وتتمسك بقيادتها، وكان ذلك إعلان بتجديد الثقة بالرغم من النكسة والضربة القوية التى وجهت إلى قواتنا فقط ولكن إلى الحلم العروبى والوحدة العربية التى بدأت تؤمن بها شعوب الوطن العربى.
يقول اللواء محمد عمر رجل المهام الخاصة في حرب الاستنزاف وانتصار أكتوبر: مثل آخرين عدت سيرا على الأقدام من سيناء حتى بورسعيد، وعندما وصلت وجدت الوجوم والإحباط على الزملاء، فوجدت نفسى أصرخ فيهم مقاوم الإحباط والكسرة التى بداخلى..
صرخت فيهم بأنه لابد من الثأر من العدو، وبالرغم من مرارة وصعوبة الموقف إلا أننا تعاهدنا على الثأر واستعادة الكرامة المهدرة على أرض سيناء، وقد كان، وظهر رجال مصر الأبطال الذين أثبتوا للعالم إنهم لن يفرطوا في شبر من ارضهم، وكسروا غرور العدو أثناء حرب الاستنزاف العظيمة!
ويقول اللواء إبراهيم الدخاخنى الذي شارك في حروب 67 والاستنزاف وانتصار أكتوبر وأحد أبطال المجموعة التى نسفت ميناء إيلات، فقد كان رجل المخابرات الذى نسق على الأرض حركة نقل وحركة الأبطال: عدت من العريش إلى بورسعيد في أربعين يوما سيرا على الأقدام، وهنا لابد من الاشارة إلى بطولات لم يسمع عنها أحد..
قصص أبطال النصر
فالبطولة الحقيقية في وقت الهزيمة، لأن الجميع أبطال عند الانتصار، البطولات كانت من بدو سيناء الذين تعاونوا معى وكبدنا العدو خسائر في معداته مثل الدبابات وأيضا افراده، وطوال الأربعين يوما قتلنا الكثير من العدو ولو توفر لدينا السلاح ما كنت عدت، والسلاح الذى استخدمناه كنا نحصل عليه من العدو بعد قتلهم، بالرغم من الهزيمة إلا أننى وغيرى كان هناك تصميم وإرادة لابد من الثأر من العدو، وقد كان ونجحنا في حرب الاستنزاف وعبرنا القناة وانتصرنا في أكتوبر 73.
أما البطل اللواء الراحل فتحي عبد الله، الذى كان قائدا لسرية الصاعقة التي أذهلت العالم، وخاضت معركة رأس العش في 30 يونيو 1967، أى بعد ثلاث اسابيع من نكسة يونية، المعركة التي نجحت فيها قوة مكونة من 30 مقاتلا من الجيش المصري في صد عدوان بالمدرعات على مدينة بور فؤاد، وبسبب هذه المعركة المجيدة لم تحتل بورفؤاد حتى حرب التحرير في السادس من أكتوبر 1973.
وفي منتصف يوليو 67، قامت الطيران المصرى –الطائرات التى حصلت عليها مصر من الجزائر– بضرب كافة التجمعات للعدو في سيناء مما جعل العدو يشعر بالانزعاج، فقد اعتقد أن مصر سقطت ولن تقوم مرة أخرى.
ومن العمليات العظيمة للقوات المسلحة، تلك التى قام بها أمير الشهداء إبراهيم الرفاعى، عندما علمت المخابرات الحربية أن العدو جمع كل الأسلحة التى استولى عليها في قطار وسينقلها إلى تل أبيب، وكانت التعليمات إلى البطل إبراهيم الرفاعى بمنع هذا، وبالفعل تم نسف القطار تماما، لدرجة أن سيناء أصبحت نهارا من كثرة الانفجارات والنيران التى أضاءت سماء سيناء، وتم حرمان العدو من الاستفادة من الأسلحة التى خلفتها قواتنا في انسحابها.
وفي أكتوبر 1967 تم تدمير أكبر مدمرة حربية للعدو فى القناة، وبعد هذه العملية تغيرت نظريات الحرب البحرية، وتلى هذا بطولات عظيمة منها تدمير ميناء إيلات بكل السفن الحربية التى كانت فيه ثلاث مرات عن طريق الصاعقة البحرية للأبطال نبيل عبدالوهاب، عمر عز الدين وغيرهم لن تسعفنى الذاكرة..
ومنها بطولات جزيرة شدوان، وجزيرة الجزيرة الخضراء، والسبت الأسود، وتدمير مطار العريش ليلة زيارة رئيسة الوزراء جولدا مائير، وغيرها من البطولات الفذة التى قام بها أبناء مصر الذين رفضوا الهزيمة، الذين لم تتاح لهم الفرصة لمواجهة العدو في يونية 67 اثبتوا جدارتهم في حرب الاستنزاف بقيادة الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية، والبطل الشهيد عبدالمنعم رياض، محمد صادق، وسعد الدين الشاذلى، والجمسى...الخ سيأتى الوقت الذى نتحدث عن كل بطل منهم.
كانت نكسة يونية ضربة قوية ولكنها كانت مولد أبطال مصر لتحقيق الانتصار بعد 6 سنوات فقط، تحيا مصر، تحيا مصر بشعبها الذى رفض تنحى الزعيم جمال عبدالناصر، تحيا مصر التى صمدت بشعبها وتجاوزت النكسة إلى الانتصار.