غير نظرة الأمريكيين لحرب فيتنام، قصة مسرب أوراق البنتاجون من مستشار وزير الدفاع لمطارد
توفي الأمريكي دانيال إلسبيرج الذي كشف عام 1971 وثائق سرية حول التخطيط للحرب في فيتنام عرفت باسم "أوراق البنتاجون"، أمس الجمعة عن 92 عامًا.
الحرب في فيتنام
وإلسبيرج الذي ساهم في تغيير نظرة الرأي العام الأمريكي حيال النزاع في فيتنام "توفي جراء سرطان البنكرياس الذي شخصت إصابته به في 17 فبراير الماضي" حسبما قال أولاده وزوجته في بيان أشاروا فيه إلى أنه "لم يعاني وكان محاطا بعائلته".
وفي مارس الماضي، قال إلسبيرج إنه مصاب بسرطان عضال وإنه لم تتبق له سوى "ثلاثة إلى ستة أشهر".
محلل سابق في وزارة الخارجية الأمريكية
هذا المحلل السابق في وزارة الخارجية ووكالة راند كوربوريشن المرتبطة بالبنتاجون، اشتهر في أوائل سبعينيات القرن المنصرم بعد تسريب 7000 وثيقة سرية عرفت باسم "أوراق البنتاجون" التي كشفت أن حكومات أمريكية عدة كذبت على الأمريكيين بشأن حرب فيتنام.
أمنية لم تحقق
لم يحقق أمنية والدته بأن يصبح عازفًا للبيانو، لكنه عزف على وتر ما وصفه بـ"الخداع الأمريكي" في حرب فيتنام، كاشفًا تاريخًا سريًا من "الأكاذيب"، بتسريبه 7 آلاف وثيقة.
من هو مسرب أوراق البنتاجون؟
ولد دانيال إلسبرج في شيكاغو في 7 أبريل 1931، للأبوين هاري وأديل إلسبرج، نقل والده، وهو مهندس إنشائي، العائلة في عام 1937 إلى ديترويت، حيث نشأ دانيال.
كانت والدته تأمل في أن يصبح عازف بيانو في الحفلة الموسيقية وطلبت منه التدرب لساعات طويلة في اليوم، على الرغم من افتقاره الواضح للحماس.
قُتلت والدته وشقيقته في حادث تحطم سيارة في نزهة في الرابع من يوليو عام 1946. وعبر منحة دراسية، التحق بمدرسة Cranbrook الإعدادية في ضواحي ديترويت، وبات الأول على فصله.
في هارفارد، فاز بمنحة دراسية، وحصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد، مع مرتبة الشرف، عام 1952.
ثم حصل على زمالة لدراسة الاقتصاد المتقدم في كينجز كوليدج بكامبريدج، وعاد إلى هارفارد في عام 1953 للحصول على درجة الماجستير في الاقتصاد.
في عام 1951، تزوج كارول كامينجز، ابنة عميد متقاعد من مشاة البحرية، وأنجبا طفلين، هما: روبرت وماري كارول إيلسبيرج، قبل الانفصال في منتصف الستينيات. في عام 1970، تزوج من باتريشيا ماركس، وهي وريثة شركة ألعاب وناشطة منذ فترة طويلة مناهضة للحرب، وأنجبا ولدًا أسمياه مايكل.
بعد خدمته في سلاح مشاة البحرية، انضم إلى مؤسسة "راند" في عام 1958، وفي عام 1962 حصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد.
وبحلول عام 1964، كان إلسبيرج مستشارًا لوزير الدفاع روبرت إس ماكنمارا. ومع تعمق التدخل الأمريكي في فيتنام، ذهب إلى سايجون في عام 1965 لتقييم برامج التهدئة المدنية، ورافق الدوريات القتالية لمدة 18 شهرًا في الأدغال والقرى، إلا أنه في العام 1969، كان قد بدأ في مواجهة القضايا الأخلاقية لحرب فيتنام.
ما رآه في فيتنام، كان المحرك الرئيس وراء تحوله، قائلًا: "لقد رأيت أن الأمر كله كان صعبًا جدًّا على هؤلاء الأشخاص، لكنني قلت لنفسي إن العيش في ظل الشيوعية سيكون أكثر صعوبة، والحرب العالمية الثالثة، التي اعتقدت أننا نمنعها، ستكون أسوأ."
وفي أغسطس 1969، ذهب إلى اجتماع رابطة مقاومة الحرب في كلية هافرفورد في بنسلفانيا واستمع إلى المتحدث راندي كيلر يعلن بفخر أنه سينضم قريبًا إلى أصدقائه في السجن لرفضه التجنيد.
تأثر إلسبيرج ووصل إلى نقطة الانهيار، ليبدأ بعدها معارضة الحرب علنا، عبر كتابة رسائل إلى الصحف، والانضمام إلى الاحتجاجات المناهضة للحرب، والإدلاء بشهادته في محاكمات مقاومي التجنيد.
وثائق البنتاجون السرية
بعدها قام إلسبيرج مع أنتوني جيه روسو جونيور، زميل مؤسسة "راند" الذي التقى به في فيتنام، بتصوير أوراق سرية من "البنتاجون" مكونة من 47 مجلدًا، قدم بعضا منها عام 1970 إلى السيناتور جي. وليام فولبرايت، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، وآخرين في الكونجرس.
مُحبطًا وخائب الأمل ومدركًا أنه ربما يرتكب جريمة قد تودي به إلى السجن، دفع إلسبيرج بالوثائق التي بحوزته إلى مراسل صحيفة نيويورك تايمز المخضرم الذي التقى به في فيتنام نيل شيهان.
ورغم أنه عقد صفقة مع مراسل "نيويورك تايمز" حول الوثائق تتضمن دراسة الأوراق وتدوين الملاحظات دون تصويرها، إلا أن الأخير خرق الصفقة، معتقدا أن تلك الوثائق كانت "ملكًا للناس" الذين دفعوا ثمنها من "دماء أبنائهم"، ونسخ بعضا من تلك الوثائق، إلى نيويورك، حيث عمل مراسلو ومحررو الصحيفة، على مدار أسابيع، لإعداد بعضها للنشر.
وعندما نشرت صحيفة "التايمز" الدفعة الأولى المكونة من تسعة أجزاء من المقتطفات والمقالات التحليلية في أوراق البنتاجون، كان رد الفعل سريعًا؛ فالمدعي العام -آنذاك- جون إن ميتشل، حذر الصحيفة الأمريكية، قائلًا إنها تهدد الأمن القومي، مما دفع وزارة العدل إلى إصدار أمر بوقف النشر.
وبعد تسريب بعض الوثائق إلى صحيفة "واشنطن بوست"، رفعت الحكومة دعوى قضائية ضد الصحيفتين الأمريكيتين، إلا أن المحكمة العليا، سمحت باستئناف النشر، وعززت عقيدة دستورية مفادها أن الصحافة، في غياب حالة طوارئ وطنية، يجب ألا تخضع لرقابة ما قبل النشر.
ماذا تضمنت الوثائق؟
كشفت أوراق البنتاجون ليس فقط أن الرؤساء المتعاقبين قد وسعوا الحرب، لكن أيضًا أنهم كانوا على دراية بأنه من غير المحتمل الفوز بها.
كما كشفت عن تشاؤم منتشر بين كبار المسؤولين تجاه الجمهور وتجاهل الخسائر الهائلة للحرب، إلا أنه سرعان ما طارد البيت الأبيض إلسبيرج، والذي اتهم بالتجسس والتآمر وجرائم أخرى يصل مجموعها إلى 115 سنة في السجن.
وبعد محاكمة خاطئة إجرائية في عام 1972، حوكم في عام 1973 أمام القاضي ويليام إم بيرن جونيور في محكمة اتحادية في لوس أنجلوس، لكن قبل إحالة القضية إلى هيئة المحلفين، رفض القاضي جميع التهم على أساس سوء تصرف الحكومة.
أدى الكشف عن أوراق البنتاجون - 7000 صفحة حكومية من الوحي اللعين حول الخداع من قبل الرؤساء المتعاقبين الذين تجاوزوا سلطتهم وتجاوزوا الكونجرس وضللوا الشعب الأمريكي - إلى إغراق الأمة التي أصيبت بالفعل وانقسمت بسبب الحرب إلى جدال غاضب.
وعكست قصة دانيال إلسبيرج من نواح كثيرة التجربة الأمريكية في فيتنام، والتي بدأت في الخمسينيات من القرن الماضي كنضال لاحتواء الشيوعية في الهند الصينية وانتهت في عام 1975 بهزيمة مذلة في حرب مدمرة أسفرت عن مقتل أكثر من 58 ألف أمريكي وملايين الفيتناميين.
و نقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.