مقام إبراهيم بين الأثر الاجتماعي والتأثير الديني

ظل مقام إبراهيم خلال الحقبة التي رفع  فيها سيدنا ابراهيم وابنه إسماعيل قواعد الكعبة كما جاء في القرآن الكريم" (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ) (سورة البقرة، الآية 127) حجرا أثريا ينسب إلي نبي الله إبراهيم (خليل الرحمن)

 وتروي كتب السير في بناء الكعبة ومقام إبراهيم  أن إبراهيم عليه السلام قدم إلي مكة بعدما ماتت هاجر، فذهب إلى بيت إسماعيل  وإسماعيل يبري نبلًا تحت دوحة قريبة من زمزم، فلما رآه قام إليه ثم قال: "يا إسماعيل إن الله - تعالى - أمرني بأمر تعينني عليه، قال: أعينك عليه، قال: إن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتًا، فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، فلما ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام إبراهيم على الحجر المقام وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.

اقرأ أيضا:

7 فضائل ليوم عرفة تعرف عليها

 تقديس العرب مقام إبراهيم

  بعد بناء الكعبة وكما يحكي القرآن الكريم (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ۝ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج: 26، 27)

  وكما هي عادة العرب في نسب الشيء إلي صاحبه، فقد نسب العرب مقام إبراهيم  إلي الموضع الذي غاصت فيه قدماه، ويقال إن العرب كانوا يعظمون هذا الموضع ويتمسحون به حتي كاد أن ينمحي، وهو عبارة عن حجر مربع الشكل طوله نصف متر تقريبًا لونه بين البياض والسواد والصفرة 

واستمر الحجر كما هو في مكانه ملاصقا للكعبة حتى عهد رسول الله في يوم الفتح حيث أخره صلى الله عليه وسلم عن موضعه بعدما نزلت آية «واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى». 

موقع مقام إبراهيم

 يقع مقام إبراهيم حاليا أمام باب الكعبة على بعد 10 - 11 متر من ناحية شرق الكعبة، في الجزء المتجه إلى الصفا والمروة، وقد اختلف المفسرون فيه،  فمنهم من قال إن مقام إبراهيم هوموضع الحجر الذي قام عليه النبي إبراهيم، ومنهم من قال إن مقام إبراهيم هو الحرم كله، ومنهم من قال إنه عرفة والمزدلفة والجمار، وخالف كل هؤلاء عبد الله بن عباس وقال إن الحج كله مقام إبراهيم.

واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى

في حجة الوداع، أمر الله تعالى المسلمين باتخاذ مقام إبراهيم مصلى، وكان ذلك موافقًا لقول عمر بن الخطاب، حيث يروى عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب قال: «وافقت ربي في ثلاث، فقلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ ومنذ ذلك الحين تغيرت النظرة الاجتماعية لمقام إبراهيم من تعظيم وإجلال لقدمي الرجل الذي قام ببناء الكعبة إلي أثر ديني، وطقس من طقوس الحج وزيارة الأماكن المقدسة وتأدية المناسك، بعد أن ورد الأمر باتخاذ المقام مصلي.

 سنن زيارة مقام إبراهيم 

 وبعد نزول هذه الآية سن رسول الله صلي الله عليه وسلم صلاة ركعتين خلف المقام بعد الانتهاء من الطواف،وفي المتفق عليه عن عبد الله بن عمر قال: (قدم النبي ﷺ فطاف بالبيت سبعًا وصلى خلف المقام ركعتين) ويشرع أن يقرأ في الركعتين مع الفاتحة في الأولى سورة الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص: لما جاء في حديث جابر: (أنه ﷺ يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون) (أخرجه مسلم).

 ومن يومها تغيرت تلك العادة الاجتماعية التي كان العرب يفعلونها تأسيا بآبائهم وأسلافهم السابقين وصارت عبادة يتقرب بها إلي الله اتباعا لأمره وتأسيا بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم.

 أحداث شهدها مقام إبراهيم

 شهد مقام ابراهيم العديد من الأحداث التي كانت سببا في وصوله الي الصورة التي هو عليها الآن،  حيث إنه في عهد عمر بن الخطاب وقع سيل شديد وجرف حجر المقام من مكانه،  وفزع عمر من تغيير موضع المقام فجمع الصحابة وسألهم: « أناشدكم أيكم يعرف موقع هذا المقام في عهد رسول الله؟» فقام رجل وقال: أنا يا عمر.. لقد أعددت لهذا الأمر عدته.. لذلك قست المسافة التي تحدد موضع المقام بالنسبة لما حوله.. وبالفعل أرسل عمر في طلب الحبل من بيت الرجل، وتأكد من صدق كلامه وأعاد المقام إلى مكانه حتى الآن.

 وفي العهد العباسي وإكراما وتعظيما لهذا الأثر الذي نزل فيه قرآن يتلى قام الخليفة المهدي العباسي؛ بتحلية المقام بعدما خشي عليه أن يتفتت، ليكون بذلك أول من قام بتحلية المقام 

الدولة السعودية والعناية بشئون المسجد الحرام ومقام إبراهيم

مع قيام الدولة السعودية، اهتم حكام المملكة والدولة السعودية بعمارة المسجد الحرام أشد اهتمام، وأحدثوا فيه العديد من الخدمات والإصلاحات خدمة للحجيج وتوسعة للحرم، حيث تم توسعته أكثر من مرة ليصل إلي صورته الحالية 

ويذكر التاريخ أن الملك سعود  -رحمه الله- أراد نقل مقام إبراهيم توسعة للحرم بعدما ازداد عدد الحجيج  إلا أن الشيخ محمد متولي الشعراوي رفض هذا النقل، حيث كان وقتها يعمل أستاذًا بكلية الشريعة في مكة المكرمة واعتبر هذا الأمر مخالفًا للشريعة، وقام بإرسال برقية إلى الملك سعود، ذكر فيها:« بأن الذين احتجوا بفعل الرسول جانبهم الصواب، لأنه رسول ومشرع وليست هذه حجة لكي نستند إليها وننقل المقام من المكان الذي وضعه فيه رسول الله»، ولأن للرسول ما ليس لغيره وله أن يعمل الجديد غير المسبوق دون غيره، واستدل الشيخ أيضا في حجته أيضًا بموقف عمر بن الخطاب  الذي لم يغير  المقام عن موقعه.

 واقترح الشيخ أن يوضع الحجر في قبة صغيرة من الزجاج غير القابل للكسر، بدلا من المقام القديم الذي كان عبارة عن بناء كبير يضيق على الطائفين، وهو ما تم تنفيذه.

 وقام الملك فيصل بن عبد العزيز -عليه رحمة الله أيضا- بعمل غطاء من البلور الممتاز، وأحيط هذا الغطاء بحاجز حديدي، كما تم عمل قاعدة من الرخام نصبت حول المقام، وتم تجديد غطاء مقام النبي إبراهيم من النحاس المغطى بشرائح الذهب والكريستال والزجاج المزخرف، في عهد فهد بن عبد العزيز وتم وضع غطاء من الزجاج البلوري القوي الجميل المقاوم للحرارة والكسر.

فضائل مقام إبراهيم

لعل أهم وأكبر تلك الفضائل  أن النبي إبراهيم وقف عليه كما أمره الله عز وجل وأذن في الناس بالحج، ففي كتاب أخبار مكة، روي عن ابن عباس عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: «لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت أمره الله عز وجل أن ينادي في الحج، فقام على المقام، فقال: يا أيها الناس إن ربكم قد بنى بيتًا فحجوه، وأجيبوا الله عز وجل، فأجابوه في أصلاب الرجال وأرحام النساء: أجبناك، أجبناك، أجبناك، اللهم لبيك، قال: فكل من حج اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم على قدر ما لبى». كما وردت فيه العديد من الاحاديث النبوية التي تعظم من شأنه.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.