حكاية الفائض الأولى !
سُئلَ وزير المالية فى أحد البرامج التليفزيونية عن ماذا يفعل لسد العجز فى الموازنة العامة للدولة؟
فكانت إجابته المباشرة: باقتراض من جوه ومن بره لسد هذا العجز. وكان السؤال الثانى: وعندما يحل موعد سداد هذه القروض، ماذا ستفعل؟ أجاب وبتلقائية شديدة.. سأحاول الحصول على قروض جديدة لسداد القروض القديمة!
الطريف فى الموضوع أن وزير المالية أعلن عن استهداف الوزارة لتخفيض رصيد الدين المحلى الحالى والبالغ 7 تريليونات جنيه ويمثل 87% من الناتج المحلى إلى 80% فقط من هذا الناتج، من خلال تحقيق ما يسمى بـ فائض أولى فى الموازنة بواقع 2% سنويا وحتى عام 2027.
المشكلة أن الوزير لن يتمكن من تحقيق خطته بثبات المديونية وتخفيض نسبتها من الناتج المحلى، والذى تتزايد قيمته النقدية سنويا، وخاصة بعد تحرير سعر الصرف مؤخرًا.
وأسباب عدم القدرة ليست اجتهادًا من شخص، وإنما هى لدراسة قيمة صدرت من المعهد القومى للتخطيط أعدها الدكتور محمد زكى خبير أول السياسات المالية العامة، وصدرت ضمن سلسلة أوراق السياسات.
الدين الحكومى والناتج المحلى
أول هذه الأسباب أن هذا الفائض الأولى –وفى رأيى إنها مسألة حسابية لا أكثر– ارتبط بزيادة سنوية فى قيمة الدين الحكومى، لأننا وصلنا لمرحلة أن الاقتراض تخطى حجم إيرادات الموازنة العامة للدولة.
والسبب الثانى أن ارتفاع الدين الحكومى ونسبته للناتج المحلى أثر فى الدين الحكومى الخارجى أيضا، حيث ارتفعت نسبته من حوالى 17.5% عام 2018، إلى أكثر من 19.5% فى يونيو الماضى، ومن المتوقع أن يصل إلى 22.5 من رصيد الدين الحكومى فى يونيو 2023.
وهيكل الدين الخارجى أصبح كالآتى:
36 مليار دولار من البنك الدولى وصندوق النقد، 30 مليار دولار قيمة إصدار سندات دولية، 120 مليار من بنوك أجنبية وعربية.
مع العلم أن 26 مليار دولار من هذا الدين قصيرة الأجل، بمعنى أنها واجبة السداد خلال الشهور المقبلة، مع ملاحظة أن أعباء الدين الخارجى بلغت حوالى 4.8 مليار دولار، حوالى 3.5 مليار منها أقساط والباقى فوائد.
وهذا الوضع المالى المرتبك له ثلاث تأثيرات.. أولها التسبب فيما يسمى بموجات تضخمية، وهو ما حدث منذ بداية العام الماضى.
وثانيها: زيادة العبء على الموازنة العامة، لزيادة برامج الدعم الاجتماعى وحماية الطبقات الفقيرة.
والثالث: قد يؤثر هذا الدين فى تراجع الاستثمارات الحكومية، وهو ما يمكن أن يعطل مسار النمو الاقتصادى المستدام لزيادة الناتج المحلى وخلق فرص عمل وزيادة الصادرات.. إلخ.
والحل –كما اقترحته ورقة معهد التخطيط– سياسة مالية رشيدة ومرنة، بدايتها ترشيد الإنفاق والتوقف عن الاقتراض، وإعادة تخصيص الموارد، مع الالتزام بوحدة الموازنة العامة، وعدم التوسع فى الإنفاق خارج الموازنة من خلال الإيرادات والضرائب المجنبة!