حكاوي زمان، أنيس منصور يكشف سر لماذا نعيش قليلا بعد الأربعين
فى كتابه “معنى الكلام” كتب الكاتب الصحفى أنيس منصور تحت عنوان (كلنا يعيش قليلا) يقول فيه: في هذا الزحام بلغت الأربعين، وهى سن النضج وفى نفس الوقت سن التداعى.. فالجهاز الذى تضغط عليه منذ ولدت بدأ يتعب ويكل، فأنت لا تستطيع عمل كل شيء الآن.. الأسنان تتساقط والظهر انحنى، والقدم أصبحت لا تحملك، والشعر الأسود يبدأ فى البياض والأمراض تزحف والأدوية والميكروبات.
وفى هذه السن زادت التزاماتك أمام الناس وأمام الأهل والوطن والعلم والمال.. وعليك أن تشد نفسك وجسمك وعقلك وقلبك وأن تمضى فى طريق مرهق لا لأنه طويل.. ولكن لأنك بلغت سن النضج نضج كل الأشجار التى غرستها.
وعليك أن تقطف جهودك، وكما تتساقط ثمار الشجرة تتساقط أفكارك وتتضح الرؤية أمامك، هذا الوضوح يغريك بمزيد من العمل والمكسب والسلطة. وإحساسك بأنك فى الخمسين واليوم عيد ميلادك وأن الذى يتبقى من عمرك قليل يدفعك إلى مزيد من التحصيل والرغبة فى الراحة.
والحقيقة أنك فى حاجة إلى راحة ولكن هذه الراحة لا تجيء بهذه السهولة، فأنت اعتدت على العمل واعتدت على أن تكون مسئولا. وفى الستين تريد أن تستريح حقا، ولكن الإنسان لكى يستريح يجب أن يكون قادرا على الراحة.. وهذا موقف غريب.
فالإنسان المتعب يجب أن يستريح لكى يشعر بالراحة، فالموجوع لا يستريح، أي أنك يجب أن تستريح لتستريح.. وفى هذه السن من الصعب أن تستريح، لأنك مجموعة من العادات من الأكل والشرب والنوم والعمل.. وقد انتهى كل شيء، أي أنك أصبحت مجردا من عاداتك أي من مقوماتك كلها فكيف تستريح.
ولا يهم كم سنة بعد ذلك تعيش ولكن النتيجة هى: ما الذى استطعت أن تعرفه وما الذى استطعت أن تفهمه، كم خلوت إلى نفسك، كم التقيت بنفسك فى هدوء.
كيف يستطيع المقاتل الذى يحمل كل سلاح أن يتجاهل ما يحمله وأن يتجاهل المعركة وأن ينسى النصر، أي ينسى كل ما كان عليه، أن أحدا لا يستطيع ذلك. ولهذا فالإنسان يستمر طويلا ولكنه يعيش قليلا، ولذلك فلا ذنب عليه إذا لم يفهم، ولا جريمة له إذا مات كما ولد لا يدرى شيئا عن دنياه.. وكلنا ذلك الرجل.