كرم المصريين في الميكروباص
الميكروباص هو وسيلة المواصلات الأشهر والأكثر استخداما من أبناء الشعب المصري، والعبد لله واحد منهم، فقد فشلت معي كل محاولات التدريب في أن اقود سيارة مثل باقي خلق الله، واصبحت مهمتي أمام عجلة قيادة السيارة ترجمة حرفية لمقولة الفنان الراحل إسماعيل يس حينما ذكر أن وظيفته علي المدفع بوروروم ليصبح الميكروباص هو الوسيلة الأسهل لي في التنقلات.
ويوميا وبالطبع كل مرتادي الميكروباص يعلمون أنه قد يصبح بكل حكاويه وما يحدث فيه نمط من أنماط الحياة التي تترجم الواقع وتكشفه، ويعبر عن حياة متكاملة خلال رحلة الميكروباص من مكان إلي آخر لفئات الشعب المصري المختلفة، بما يتناسب مع أفكار كل من يرتاده، بسبب ذلك التنوع البشري الكبير من المتعاملين مع الميكروباص يوميا.
إلا أن أفضل ما وجدته في الميكروباص خلال تلك الفترة ورغم الظروف الاقتصادية وارتفاع الاسعار وما يعاني منه الجميع خاصة تلك الطبقة التي تقبل علي استقلال الميكروباص، هو ظهور كرم المصريين وتكافلهم الواضح ، لاسيما فيما أصبحت أطلق عليه يوميا موقعة الفكة، النص والربع جنيه.
ففي كل مرة نستقل فيها الميكروباص من موقع إلي آخر، ومع تعرض الركاب كثيرا لموقف عدم وجود الفكة، تبدأ جينات الكرم في الظهور بين المصريين، ذاك يفضل من يجلس بحواره عنه في الحصول علي الجنيه لعدم وجود نصف جنيه ، وهذا يضحي بالربع الجنيه من أجل الذي أمامه في مشهد يكثر خلاله الحديث بين كل الأطراف، غير أن النهاية الحتمية هي إثبات الكرم وتضحية طرف بحقه لصالح الآخر بكل رضا ومحبة، دون أن تكون هناك أي معرفة مسبقة بين معظم هذه الأطراف.
وتلك النقطة في ذلك الموقف الحياتي داخل الميكروباص قد يراها البعض أمرا عاديا، وتناولها بالكتابة قد يكون شيئا لا يستحق، غير أن ما تبرهن عليه تلك التصرفات بين المصريين، هو استمرار الخير في ذلك البلد إلي أن تقوم الساعة ،وضمان التراحم والمحبة وتعميق شعور التضحية، بما يؤكد أن القادم أفضل بإذن الله.
فمما لاشك فيه أن الكرم في الشعب المصري متأصل ونابع من جينات لا تنتهي في أبناء ذلك الوطن المضياف والمحب لبعضهم البعض، وكذلك لكل الأشقاء العرب والآفارقة، ومن هم يتشابهون معنا في نسيج الإنسانية جمعاء، فالمصري معروف عبر التاريخ بكرمه، وهناك شعوب عديدة حاليا في وضع مالي واقتصادي متميز، بينما كانت تمر بأزمات مالية طاحنة ويداهمها الفقر في سنوات مضت، وكانت يد الخير ممدودة إليهم من مصر الكنانة، والتي بعد كل ما قدمته وتقدمه من خير لن تنضام بإذن الله.