رئيس التحرير
عصام كامل

أرض الحياة ...


مصر، واحة الفكر والسلام ، ارض الاستقرار وساحة الأمان،عاشت لأكثر من ثلاثة آلاف عام تهيمن عليها العقيدة الفرعونية بما فيها من اسرار الخلود ووحدة الخالق ومع مرور الزمن بدأت تنبثق فكرة الاله المحلية فأصبح لكل مدينة ولكل قرية في مصر إله خاص بها له من التقديس والوقار الكثير ، ورغم ذلك كان الكل يرنو دائماً الي الإله الواحد خالق، الكل هو البداية وهو النهاية خلق كل شيء وكل شيء سوف يعود مرة أخري اليه .


هكذا كانت مصر قبل الميلاد وحينما اجتاح الهكسوس والفرس مصر حاولوا بكل قوة ان يفرضوا آلهتهم الخاصة علي المصريين ولكنهم فشلوا وعلي العكس انصهروا في داخل بوتقة الإله المصرية فتبدلوا في داخلهم وأصبحوا يعبودون الإله المصرية ، فقد فشل السيف وفشل القهر في تغير عقيدة المصري القديم ، ومع دخول المسيحية الي مصر كان المجتمع المصري في حالة من التخبط والصراع بين التصدي لإله الرومان المتعددة والحفاظ علي ماتبقي من ديانة مصر القديمة الخالدة.

ورويدا رويدا بدأت تتضح في الأفق بواطن وجوهريات الديانة المسيحية بما تحمله من فلسفة التوحيد والبعث والحياة الأبدية وهنا أخذ وجدان العقيدة القديمة يتحرك من جديد في داخلهم فذهب اغلب الشعب يبحث عن اسرار المسيحية وبالفعل انتشرت هذه العقيدة وتوغلت الي أعماق المجتمع المصري كبديل منطقي للمعتقد القديم فأخذ المصريون يبدعون في فهم وتفسير المسيحية فتميزت المسيحية المصرية عن باقي بلدان العالم وأصبحت مصر هي قلعة الإيمان القويم وخط الدفاع الاول عن العقيدة وبرزت أسماء عظيمة مثل اوريجانوس وترتليانوس وأثناسيوس الرسولي ، وكان لمصر الشرف في ان تتصدي للأفكار والبدع والهرطقات العالمية في ذلك الوقت مما اسفر عن حالة من العدائية والكرة بين عرش الامبراطورية في روما والقسطنطينية وبين عرش المسيحية في مصر .

وهنا اكتملت تفاصيل المشهد، فالإنسان المصري بات هو المناضل الأكبر والمضطهد بين جميع الامم وعلي رأسهم عرش الامبراطورية ، فظهر الإسلام كدين جديد وليد يريد ان ينتشر وينمو وسط عالم أنهكته صراعات الفلسفة الدينية والهرطقات العالمية ، ودخل عمرو بن العاص الي مصر وأخذ بجيشه المتواضع نسبيا يواجه أعتي جيوش العالم في ذلك الزمان ، كانت مصر وقتها تصرخ وتتألم من روح الاضطهاد والتعسف والقهر وكان المصري مطحونا بين شقي الرحي فبات في الأفق ان جيش عمرو هو حلم الخلاص القادم لينهي هذا العصر المظلم الكئيب.

وبالفعل وجد الإسلام في مصر ترحيبا فقد اتحد الكثير من أقباط مصر مع جيوش عمرو للخلاص من قهر وظلم الرومان وبعد ان تم القضاء عليهم وطهرت ارض مصر عن آخرها من كتائبهم العسكرية بدأ المصريون يبحثون في أعماق الإسلام ويتأملون في جوهره ، فأعاد التاريخ أمجاد عصر ظهور المسيحية في مصر من جديد وانجذب الكثير من أقباط مصر لهذا الدين الجديد الذي وجدوا في جوهريات تعاليمه روح التسامح والمحبة والتوحيد فبعث المصري القديم في داخلهم وهنا أخذ الإسلام ينطلق من مصر ليعلم العالم كله واتحدت الأمة من جديد تحت شعار الإسلام المصري والمسيحية المصرية ودائما الريادة تولد وتنمو في ارض وادي النيل، فقد تزعم الأزهر الشريف العالم الإسلامي والعربي في التصدي لروح الحرب والدماء الصليبية وكذلك لروح البربرية المغولية وعاش الإسلام والمسيحية في مصر في تناغم وتوازٍ مثمر.

علي مدار العشرة قرون الأخيرة وكل من يتحدث عن فتن دينية حدثت هو في الحقيقة يتحدث عن جرائم فردية وضغائن ومؤامرات سياسية بحتة استخدم فيها عامل الدين والغرض الرئيسي منها كان السيطرة والاستعباد، فعلها المماليك مع الشعب المصري ثم انتهجها العثمانيون ، نجحت أحيانا بشكل جزئي وفشلت أحيانا كثيرة ولكنها لم تمت بل بقت دفينة في أروقة القصور ومربع الحكم كوسيلة تستخدم عند الحاجة إليها .

وفي عصرنا الحديث اقتناها الاخوان غير المسلمين ليتاجروا بها فهي الطريق المضمون للوصول للعرش والهيمنة وبالفعل استمر هؤلاء لأكثر من ٨٠ سنة يرتكزون عليها وقد نجحوا بشكل جزئي ومؤقت ، ولكن دائماً نجد الشعب المصري عند لحظات الحسم واقفا في شموخ وثبات يواجهه الإخطار ، فقد تم الإطاحة بهم وبمخططاتهم الشيطانية وهم اليوم يقبعون في داخل السجون والشعب المصري يعلن للعالم اجمع انه هو فقط القادر علي البقاء في ارض وادي النيل ... ارض الحياة .
الجريدة الرسمية